ذرائع واشنطن و الغرب للتعبير عن سخطهم من تعاظم الحضور الروسي في سوريا
على الرغم من أن موسكو أعلنت أن مقاتلاتها أخطأت حين اخترقت الأجواء التركية لثوانٍ، فإن الحملة التي قادتها واشنطن بمباركة حلف الأطلسي ومشاركة تركيا، لا تليق بالدول التي تدعي أنها تنتمي لنادي اللاعبين الكبار. فالخطأ الروسي لا يستحق أكثر من تنسيقٍ تقوم به السلطات التركية مع السفارة الروسية في أنقرة. لكن يبدو أن ما جرى كان مناسبةً ليُعبِّر فيه الغرب عن حجم سخطه من رضوخه للحضور الروسي في سوريا. فكيف يمكن تبيان ذلك؟
ماذا في الحادث وردود الفعل؟
كشفت أنقرة في بيان أصدرته وزارة الخارجية التركية، أن مقاتلة روسية خرقت المجال الجوي ظهر يوم السبت في الثالث من تشرين الأول، وقامت بإستدعاء السفير الروسي لديها احتجاجاً على هذا الخرق. وفيما يخص ردود الفعل، فقد حذر رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو من أن تركيا ستُفعِّل قواعد الإشتباك العسكرية أياً كانت الجهة التي تنتهك مجالها الجوي، لكنه أوضح في نفس الوقت أن “الملف السوري لا يسبب أزمة بين تركيا وروسيا مضيفاً أن قنوات الإتصال بين البلدين ستبقى مفتوحة”. من جهتها اكتفت موسكو بعد أن استدعت الخارجية التركية سفيرها للإحتجاج على الخرق، بالرد على لسان المتحدث باسم السفارة الروسية في انقرة، والذي أكد أن الجانب الروسي قدم جميع الإيضاحات الضرورية لأنقرة بشأن حادث اختراق المجال الجوي التركي.
من جهةٍ أخرى نقلت وسائل إعلام أمريكية عن مصدر في وزارة الدفاع قوله: “إنني لا أصدق أن ما حصل جاء صدفة. بل يأتي هذا الحادث كتأكيد على قلقنا العميق حيال ما يقوم به الروس في سوريا. وما زالت النوايا الروسية تثير أسئلة كثيرة”. وكشف المصدر أن واشنطن أجرت “مشاورات عاجلة” بهذا الشأن مع حلفائها في الناتو، بما في ذلك الجانب التركي. بدوره وصف أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ، خلال حديثه للصحفيين بعد لقاء جمعه مع وزير الخارجية التركي بعد الحادث، بأن اختراق المجال الجوي التركي “غير مقبول”، داعياً موسكو إلى “احترام المجال الجوي للدول الأعضاء في الناتو وتجنب التوتر في العلاقات مع الحلف”. معتبراً أن “تحركات روسيا في سوريا لا تساعد أمن واستقرار المنطقة”، وموضحاً أنه استدعى “٢٨ دولة في الحلف على وجه السرعة” لحضور اجتماع لمجلس “الأطلسي” بهذا الشأن.
تحليل: لماذا يبالغ الغرب في حملته؟
لا شك أن ردات الفعل الغربية بما فيها الموقف التركي، يطرح العديد من التكهنات، لا لحجم أثره إذ أنه لن يُقدم أو يُؤخر في الموقف الروسي، بل لناحية الطريقة التي تعاطت بها عدد من الدول وهو ما لا يرتقي لمستوى التعاطي الدولي الرصين. وهنا نقول التالي:
– على الرغم من أن موسكو صرحت وأكدت بأن ما جرى كان خطأً ظرفياً حصل نتيجة سوء الأحوال الجوية، لكن جميع ردات الفعل التي صدرت جاءت من الأطراف التي عارضت الخطوة الروسية بدايةً قبل أن تعود وترضخ لها. وهو الأمر الذي يؤكد أن ردة الفعل هذه لا تعبر بالحقيقة عما اكتنزته التصريحات، أي الدفاع عن المجال الجوي التركي، بل تُعبِّر عن أن هذه الأطراف وجدت فيما جرى مناسبةً لشن هجومٍ على الدور الروسي في المنطقة لا سيما مكافحة الإرهاب. ومحاولة استغلال ذلك لتأكيد عدم أهلية موسكو في ذلك.
– وهنا لا بد من الإشارة الى أنه لا علاقة للخطأ الروسي بدور موسكو الأخير في سوريا ومحاربتها للإرهاب. فموسكو تقوم بذلك بعد موافقة الطرف السوري، أي حكومة دمشق، مما يعني قانونية ما تقوم به روسيا. لكن محاولة الربط بين الحدثين جاءت من أجل إعادة طرح عدم أهلية موسكو لإدارة ملف مكافحة الإرهاب عسكرياً، بعد أن فشل الغرب في منع ذلك، أو تقديم أي مبررٍ يخدم هذا السياق. الى جانب أن بعض الأطراف الغربية لديها مصلحة في استمرار دعم الإرهاب في سوريا وهي لا تزال تدعي وجود معارضةٍ معتدلة.
– وفيما يخص موقف واشنطن، فهي المعنية الأكبر بتمدد النفوذ الروسي، وما يعكسه ذلك على حضورها ونفوذها في المنطقة. مما دفعها لإعتبار ما جرى أمراً يجب الوقوف عنده وتسويقه بما يخدم المصلحة الغربية. على الرغم من أنه وخلال الأحداث الماضية لا سيما مسألة الأزمة الأوكرانية وضم روسيا للقرم، لم تقم واشنطن بهذه الحملة، وإن كانت حاولت عبر الجانب الأوروبي الذي ما يزال يسير في سياستها. الأمر الذي دفع حلف الأطلسي الى الإعتراض أيضاً، دون وجود مُبررٍ لذلك. إذ أن الفعلة الروسية لا تستحق كل هذه الحملة.
تعود أمريكا لإستغلال الظروف معتمدةً براغماتيتها السياسية في التعاطي مع الأحداث. لكن الحملة التي قادتها واشنطن، لن يكون لها الأثر العملي في تغيير أيٍ من الواقع المفروض على الغرب. لكن أسئلةً كثيرة يمكن طرحها، حول هذا الموضوع. فإلى متى سيبقى الغرب لا سيما أوروبا تسير في سياسة واشنطن، على الرغم من أن الإرهاب أصبح في ديارها؟
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق