ملك الحبشة لم يرسل الإرهابيين إلى بلادنا، فمن فعل ذلك؟
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن “إنسانية” الإتحاد الأوروبي في التعاطي مع اللاجئين، إلا أن الجانب المغفل عنه هو ما أوضحته فدريكا موغيريني حول تحوّل الإتحاد الأوروبي إلى دول مصدّرة للإرهاب.
يأتي إعتراف الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في كلمة لها أمام مؤسسة الدراسات الأمنية في الإتحاد الأوروبي، بعد فترة من كلام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حول إخبارها لأطفال بلادها أن “اللاجئين السوريين هربوا من بلادهم إلى بلادنا، وكانت “مكة بلاد المسلمين” أقرب إليهم” وأن “رحلة اللاجئين السوريين إلى بلادنا، كانت كهجرة المسلمين الى الحبشة، ففيها حاكم لايظلم عنده أحد أبدا”، ليفتح باب التساؤل حول حقيقة الموقف الأوروبي تجاه دول المنطقة وشعوبها.
لا نختلف مع ميركل في تخلي “مكّة” عن المسلمين في أصعب الظروف، لا بل نزيد عليه أن هذا البلد تورّط بشكل مباشر في دماء المسلمين، كذلك لا نختلف مع المستشارة الألمانية أن ملك الحبشة حاكم لا يظلم عنده أحد، ولكن لماذا ننظر إلى نصف الكوب ونغفل عن النصف الآخر؟ من الذي صدّر المئات من المقاتلين إلى بلادنا؟ من الذي سمح أو تواطئ مع تركيا لدعم هذه الجماعات الإرهابية في سبيل تحقيق مصالحة سياسية أبرزها إسقاط الرئيس الأسد؟ من الذي أرسل السلاح والأموال إلى الجماعات المسلحة “المعتدلة”، والتي بدورها سلّمتها للتنظيمات الإرهابية، وكلّهم إرهابيون؟، بالتأكيد لم يفعل ملك الحبشة ذلك!
عند الغوص في أبعاد كلام موغريني، بالتزامن مع مشاهدة مئات المقاتلين الأوروبيين في صفوف التنظيمات الإرهابية عموماً، وتنظيم داعش الإرهابي على وجه الخصوص، لا بد من الإشارة إلى التالي:
أولاً: رغم أن تصريح موغريني لا يكشف عن واقع جديد حول تورّط الإتحاد الأوروبي في تصدير الإرهابيين إلى دول المنطقة، وبالتحديد سوريا والعراق، إلا أن غمز او إعتراف الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية، يسجّل للتاريخ الذي يكتب، للأسف، بأقلام الأقوياء بعيداً عن أي مصداقية. يتوجّب على الإتحاد الأوروبي الذي قدّم نفسه كراعٍ إنساني للاجئين أن يتحمّل عواقب تورطه في تصدير الإرهاب، وكلام موغريني خير دليل على ذلك.
ثانياً: لا نختلف مع موغريني في كلامها حول إتهام الإتحاد الأوروبي من قبل شعوب العالم بتصدير الإرهاب إلى مناطق النزاع في الشرق الأوسط، ولكن هل تمّ كل هذا الأمر من دون علم أجهزة إستخباراتها؟ لماذا لم يتوقف غزو الشباب الأوروبي الإرهابي إلى سوريا بعد أكثر من أربع سنوات على بدء الأزمة؟
ثالثاً: لا نبرّر لكافة المتورطين في التنظيمات الإرهابية أفعالهم، إلا أننا نجد أن العديد منهم لم يستطع الإندماج والتأقلم في مجتمعه، تارة لأسباب شخصية، وأخرى لأسباب إجتماعية أبرزها تضييق الخناق على المسلمين في العديد من الدول الأوروبية. لذلك، يمكننا القول، إن أوروبا تتحمل في هذا الشق جزءاً من المسؤولية وبالتالي لا بد لها أن تتحمل جزءاً من التبعات.
رابعاً: لسنا من أهل نكران الجميل، ولكن رغم كل هذا التطبيل والتزمير للإتحاد الأوروبي بسبب تعامله مع اللاجئين، لم تستقبل كافّة دوله ربع ما إستقبل لبنان، البلد الصغير، الذي لا يعادل مقاطعة صغيرة في بعض دول الإتحاد. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العديد من هؤلاء هم من اليد العاملة الشابّة التي تعود بالفائدة على القارة العجوز، كما يلاحظ وجود جزء كبير من أصحاب الدراسات العليا، أطباء، أساتذة جامعات، ومهندسين ضمن هؤلاء اللاجئين.
خامساً: ما يلفت الإنتباه أن دول الإتحاد بدأت بتغيير موقفها من الرئيس الأسد بعد فترة وجيزة من النزوح السوري والعراقي بإتجاه هذه الدول، وقبل التدخل الروسي، فهل يمكننا الإستدلال أن خشية أوروبا من تزايد موجة النزوح تقف خلف تغيير موقفها من الرئيس الاسد؟ ماذا لو لم تكن “رحلة الشتاء” للاجئين نحو أوروبا، هل ستتغاضى الأخيرة عن داعش الإرهابي، وتمضي قدماً في إرسال المقاتلين لإيجاد بيئة أوروبية جديدة؟
لم نذكر هذه الأسباب لننكر مجهود أوروبا، المشكور، تجاه اللاجئين، ولكن عندما نفتّش عن الأسباب نرى أن الإتحاد الأوروبي متورط بشكل كبير في أزمات المنطقة.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق