تركيا تتجرع كأس الإرهاب المرة وأردوغان يُعتبر المسؤول الأول
يمكن القول أن ما تشهده تركيا اليوم هو نتيجة لسياسة أردوغان على الصعيدين الداخلي والخارجي. خصوصاً بعد الحادث الذي يعتبر الأكبر في تاريخ تركيا، والذي حصل السبت الماضي وتمثل بوقوع انفجارٍ قالت المصادر الأمنية أنه ناتج عن تفجيرٍ إنتحاري، أودى بحياة ٨٦ شخصاً وأوقع المئات من الجرحي. لكن قراءة الحدث لا يمكن أن تستثني أن الإنفجار استهدف تظاهرةً سلمية نظمها “حزب الشعوب الديمقراطية” الكردي. فكيف يمكن تحليل الحدث؟ وماذا في الماضي والحاضر التركي المرتبط بذلك؟
لا يمكن الجزم بأن الجهة التي تقف وراء الإنفجار معروفة. فالتحاليل كثيرةٌ في هذا المجال. لكن المؤكد هو أن السلطة التركية الحالية لا سيما أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، يتحملون مسؤولية ذلك. وهنا لا نقوم بإلقاء الإتهام دون أدلة، ولو كانت هذه الأدلة تعتمد على تحليل المسار التاريخي لسياسة الرئيس التركي الداخلية والخارجية. فكيف يمكن إثبات ذلك؟
يُعدّ الحادث الذي حصل، الثالث منذ الإنتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا في شهر حزيران الماضي، والتي قلبت الموازين حيث فقد أردوغان وحزبه الأغلبية النيابية. كما أن الحادث حصل قبل ما يقارب الثلاثة أسابيع من الإنتخابات المقبلة في تشرين الثاني. لكن الفترة هذه والتي شكلت منعطفاً في تاريخ تركيا السياسي، اتسمت سياسة أردوغان فيها بالكثير من الإرتباك لا سيما تجاه الواقع الجديد الذي فرضه دخول الأكراد في اللعبة السياسية. إلا أن الرئيس الذي طالما يقدم نفسه كرجل الديمقراطية الأول، لم يُفلح في بسط سياسةٍ جامعة تحضن إنجازات الجميع، بل أشعل الصراع القومي من خلال اللعب على وتر الإنقسام التركي الكردي. وهو ما رسخه أردوغان بالمواجهات العسكرية بين الدولة التركية والأكراد والتي راح ضحيتها مئات الأكراد. لكن العودة الى الوراء تُثبت أن ما حصل السبت الماضي أي التفجير الأخير، ليس الأول من نوعه من ناحية المستهدف. فقد جرت حادثتان مماثلتان بالطريقة ذاتها سابقاً، حيث حصل تفجيرٌ قبيل الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في مدينة ديار بكر وسط تظاهرةٍ لمؤيدي الحزب الكردي. كما حصل تفجيرٌ ثانيٍ بين مؤيدي الحزب نفسه حيث كانوا يحتفلون قبل سفرهم إلى كوباني في سوريا للقتال ضد تنظيم داعش الإرهابي وذلك في مدينة سوروج في العشرين من تموز المنصرم.
وهنا نقول أن أرودغان يتحمل المسؤولية السياسية الواضحة، لسببين أساسيين.
– أولاً إن الأرضية السياسية التي سعى لها هي التي أدت الى بناء واقعٍ من اللاإستقرار السياسي والأمني، والتي تمثلت بالشحن القومي ضد الأكراد وجعلهم مثل داعش من حيث التصنيف الإرهابي معلناً الحرب عليهم. ليُصبح الواقع السياسي في البلاد مسألةً لا تنتظر إلا التفجير السياسي. لنصل الى نتيجةٍ مفادها أن أردوغان بسياسته جعل من نفسه المُتهم الأول في الأحداث.
– ولعل القراءة الثانية التي تقول بأن الإرهاب الداعشي يقف وراء الحادث، فهي أيضاً قراءة موضوعية. لكن لا بد من الإشارة هنا الى أن هذه القراءة لا تنفصل عن السبب الأول. إذ يمكن القول أن الأجواء التي تمر بها تركيا مؤهلة للأعمال الإرهابية أكثر من أي مضى. فنظرية دخول طرفٍ ثالثٍ ليست مُستبعدة. لكن لا يمكن هنا إبعاد المسؤولية عن أردوغان وسياسيه أيضاً. فإلى جانب السياسة الداخلية التي أشعلت الوضع السياسي المحلي في تركيا، فإن سياسة أردوغان الخارجية والتي جعلت من الإرهاب أداتها للتعامل مع الأزمة السورية، ترتبط بما حصل مباشرةً. فأردوغان أشار مؤخراً الى أنه أصبح يتبنى الحل للأزمة السورية بحضور النظام السوري ورئيسه. وهو الأمر الذي يختلف استرتيجياً عن سياسة أردوغان السابقة الرافضة لذلك.
اتسمت سياسة أردوغان الداخلية والخارجية بالعديد من الشبهات التي لم يفهم المتابعون إلا أنها تُفضي لنتيجةٍ واحدة، وهي أن الرجل يضع أمامه هم البقاء في السلطة مهما كلف الثمن. لكن الواقع اليوم لم يعد كما ذي قبل. فأردوغان وحكومته أمام تحدياتٍ جديدة تتمثل أولاً بأمن المواطن التركي الذي بات يشعر بأنه فقد ذلك. في حين يتساءل المراقبون عن التعاطي الذي ستتسم به سياسة أردوغان المقبلة، في ظل تغيراتٍ إقليمية جديدة ودولية متسارعة. الى جانب وضعٍ داخليٍ لم يعد أردوغان يتحكم بتفاصيله. فهل سيستطيع أردوغان إعادة الثقة الشعبية التي بدأ يفقدها بشكلٍ متسارع؟ وماذا تُخبئ الأيام لتركيا واستقرارها؟
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق