التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, ديسمبر 27, 2024

سوريا.. هل يمكن إطفاء النار بالبنزين 

أدخلت مشاركة روسيا بضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية لاسيما تنظيم “داعش” في سوريا باستخدام طائرات مقاتلة ومعدات عسكرية متطورة بشكل لم يسبق له مثيل منذ إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق في بداية تسعينات القرن الماضي؛ أدخلت الأزمة السورية في مرحلة جديدة خصوصاً بعد تبلور التحالف الجديد الذي يضم بالاضافة إلى روسيا كل من إيران والعراق وسوريا وحزب الله لبنان.

فهذا التحالف أربك حسابات أمريكا والدول الغربية والاقليمية الحليفة لها التي شكّلت قبل أكثر من عام تحالفاً دولياً لمحاربة الإرهاب يضم عشرات الدول لكنه فشل في تحقيق أهدافه لعدّة أسباب منها ان واشنطن متهمة بتشكيل عدد من الجماعات الإرهابية بينها تنظيم “داعش” كما اعترفت بذلك وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون وغيرها من المسؤولين الأمريكيين، بالاضافة إلى الوثائق والأدلة الكثيرة التي تشير إلى تزويدها هذه الجماعات بالأسلحة والمعدات العسكرية واللوجستية بذريعة دعم ما يسمى “المعارضة المعتدلة” في سوريا.

والسؤال المطروح: هل سيتمكن تحالف روسيا وإيران والعراق وسوريا وحزب الله في القضاء على الإرهاب أو تحجيم خطره إلى حد كبير؟ وبمعنى آخر هل يمكن إطفاء النار بالنار أو بالبنزين كما عبّرت عن ذلك الإدارة الأمريكية؟!

للاجابة عن هذا التساؤل لابد من الاشارة إلى ما يلي:
١- يختلف التحالف الذي يضم روسيا وإيران والعراق وسوريا وحزب الله عن تحالف أمريكا وحلفائها الغربيين والاقليميين في عدة أمور يمكن الاشارة إلى بعضها على النحو التالي:
أ – يطالب التحالف الأول بالقضاء على الجماعات الإرهابية مع بقاء الرئيس السوري في منصبه، بينما يطالب التحالف الثاني بتنحي الأسد عن السلطة.
ب- التحالف الأول غير متهم بالتورط بدعم وتشكيل جماعات إرهابية كما هو الحال بالنسبة للتحالف الثاني، وهذا الأمر يمنحه امتيازاً كبيراً بإعتبار إن كافة شعوب العالم لاسيما شعوب المنطقة التي دفعت ثمناً باهظاً نتيجة جرائم وانتهاكات الجماعات الإرهابية لاتثق بمن تورط بدعم الإرهاب وترحب بمن يسعى لمحاربته وهو غير متورط بدعمه.
٢- تنظيم “داعش” الإرهابي يدعو إلى تشكيل ما يسمى “الخلافة الاسلامية” من خلال مهاجمة دول المنطقة لاسيما العراق وسوريا ويلوّح بين الحين والآخر بمهاجمة دول اقليمية حليفة للغرب في المنطقة، كما يهدد بشن عمليات إرهابية ضد الدول الغربية نفسها؛ هذه الأمور وغيرها جعلت الكثير من هذه الدول تفكر بصورة جديّة في كيفية مواجهة “داعش” خشية على مصالحها، في حين ينطلق تحالف روسيا وإيران والعراق وسوريا وحزب الله في محاربته للإرهاب من منطلق القضاء عليه لاغير بإعتباره يمثل خطراً حقيقياً على الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي، في وقت أثبتت فيه التجارب أن التحالف الذي ترأسه أمريكا يسعى لتحقيق أهداف لاعلاقة لها بمحاربة الإرهاب أصلاً.
٣- الاعدامات التي نفذها تنظيم “داعش” ضد رعايا بعض الدول الغربية وقطعه لرؤوس العديد منهم بطريقة وحشية أثارت غضب الشعوب الغربية التي بدأت تطالب حكوماتها بأتخاذ مواقف صارمة ضد الإرهاب بعد أن فشل التحالف الذي تتزعمه أمريكا فشلاً ذريعاً بالقيام بهذه المهمة، ولهذا بادرت الكثير من الشعوب وبينها الشعوب الغربية إلى تأييد تحالف روسيا وإيران والعراق وسوريا وحزب الله لإعتقادها بأنه تحالف جاد في محاربة الإرهاب على خلاف التحالف الذي تقوده أمريكا، ووصل الأمر ببعض الحكومات الغربية إلى الترحيب بمشاركة روسيا بضرب الجماعات الإرهابية في سوريا للخروج من هذه الأزمة دون الحاجة إلى الاستمرار بخداع النفس وتحمل تبعات تأييدها لواشنطن التي أثبتت التجارب أنها غير جادّة في محاربة الإرهاب، بل متهمة بدعمه لتحقيق مآرب على حساب الدول الأخرى كما أسلفنا.
٤ – أدركت الحكومات الغربية الموالية لأمريكا تماماً ان الجماعات الإرهابية غير قادرة على تغيير حكم الرئيس السوري بشار الأسد، ولابد من اللجوء إلى الطرق السلمية والدبلوماسية لحل الأزمة السورية خصوصاً بعد تدفق أعداد كبيرة من النازحين إلى الدول الأوروبية بسبب هذه الأزمة.

من خلال هذه الحقائق وقراءة معطيات الواقع يتبين بوضوح أن تحالف روسيا وإيران والعراق وسوريا وحزب الله هو الأجدر بمحاربة الإرهاب حتى وإن تم ذلك عن طريق استخدام القوة العسكرية المكثفة كما تفعل روسيا الآن، وهو ما إصطلحت عليه أمريكا بـ”إطفاء النار بالنار” لأنه لم يعد أمام موسكو وحلفائها سوى هذا الطريق لحل الأزمة السورية والقضاء على الإرهابيين بعد أن فشلت جميع المحاولات السياسية والدبلوماسية لتسوية هذه الأزمة بسبب إصرار أمريكا وحلفائها على تنحي الرئيس السوري عن السلطة كشرط للتسوية وهو ما لم تتمكن الجماعات الإرهابية من تحقيقه طيلة السنوات الأربع الماضية رغم الدعم الكبير الذي تلقته من واشنطن والعواصم الغربية الموالية لها والدول الاقليمية المتواطئة معها وفي مقدمتها تركيا والسعودية وقطر والأردن. ولذلك يتوقع معظم المراقبين أن أمريكا وحلفاءها سيرضخون في نهاية المطاف للجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل الأزمة سلمياً بإعتباره الخيار الوحيد لإنهاء هذه الأزمة دون الاصرار على شرط تنحي الأسد عن السلطة.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق