الرسائل الايرانية التي حيرت الغرب.. صاروخ “عماد” نموذجا!
ايران ورغم الحصار الجائر المفروض عليها منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن تمكنت من تحقيق انجازات كبيرة على كافة الاصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وأما بخصوص الانجازات العسكرية فهي كثيرة وخاصة على مستوى التكنولوجيا العسكرية المتطورة التي قطعت فيها طهران اشواط طويلة لتحقق الاكتفاء الذاتي وتصل الى مرحلة تنافس كبار المصنعين الدوليين لهذه التكنولوجيات. وما الصاروخ الجديد “عماد” الا واحدا من تلك القفزات الجبارة التي استطاعت القوات الايرانية طيها تحت وطأة الحصار الامريكي – الغربي.
فقد جرى خلال اليومين الماضيين اختبار الصاروخ الجديد “عماد” بعيد المدى والذي يعتبر نسلا جديدا من الصواريخ البالستية الارض – ارض. والذي يتمتع بقدرة توجيه وتصحيح المسار وذلك لاصابة هدفه بدقة عالية. وكان وزير الدفاع الايراني العميد حسين دهقان قد صرح على هامش الاختبار أن هذا الصاروخ يأتي ضمن استراتيجية الوزارة التي تتمثل في تطوير واستكمال القدرة الصاروخية الايرانية للقوات المسلحة الايرانية ورفع قدرة الردع لديهم. مؤكدا أن جميع مراحل تصميم وصنع هذا الصاروخ تمت على ايدي العلماء والخبراء الايرانيين في منظمة الصناعات الدفاعية الايرانية. وشدد العميد دهقان على أن الصاروخ البالستي هو الاول من نوعه الذي يتمتع بقدرة التحكم بتوجيهه لتصحيح مساره واصابة اهدافه بدقة مما يعطيه قدرة اصابة عالية. وعلى صعيد آخر أكد دهقان على أن ايران لن تستأذن احد لتطوير قدراتها العسكرية والصاروخية وانما تنفذ برامجها الدفاعية وخاصة الصاروخية ضمن استراتيجيتها الخاصة المرسومة منذ سنوات.
وقد كان للاعلان وقع كبير على الاعلام العربي والغربي بشكل عام. حيث تأتي التجربة في خضم الحديث عن رفع للعقوبات عن ايران باستثناء العقوبات المفروضة على البرنامج العسكري وخاصة الصاروخي. فشكلت التجربة صدمة حيرت وسائل الاعلام بكيفية التعاطي معها وسط احاديث وتوقعات غربية عن ايقاف طهران مؤقتا العمل في برنامجها الصاروخي، ومن هذا المنطلق يصبح من المؤكد أن هذه التجربة انما هي رسالة صاروخية من العيار الثقيل الى المجتمع الدولي وعلى رأسه امريكا وتتضمن هذه الرسالة اشارات كثيرة ان من حيث التوقيت او من حيث نفس القدرات الكبيرة للصاروخ الجديد.
وبالعودة الى الحيرة التي طبعت تعاطي بعض وسائل الاعلام الغربية والعربية مع الاعلان فالسبب يعود الى التوقيت المباغة لهذه التجربة التي لم يتوقعها الغرب في هذا الوقت بالذات. خاصة أن مجلس الامن الدولي وبعد تأييده الاتفاق أكد على ابقاء القيود على البرامج العسكرية والصاروخية الايرانية. وهذا ما لم يقبله الطرف الايراني المفاوض بالاضافة الى الحكومة في طهران. وبذلك فان التجربة الناجحة لصاروخ “عماد” تؤكد هذا التوجه الايراني الذي لم يقبل بأي قيود على برامجه العسكرية.
الامر المهم الاخر هو مسألة العداء الايراني لاسرائيل والذي يحاول الغرب عبر اعلامه التسويق لفكرة بدأ مرحلة جديدة من السلام لاسرائيل بعد الاتفاق النووي الاخير. ومن خلال التجربة الاخيرة يتبين أن اسرائيل أصبحت أضعف امام القدرات الصاروخية الايرانية وخاصة أن هذا القطب يؤكد يوما بعد يوم على تجذر عدائه لاسرائيل ونية ازالتها من الوجود. وهنا لا بد من الاشارة الى الاسم الذي يحمله الصاروخ وهو “عماد” والذي يعيد الى الاذهان اسم القائد الشهيد “عماد مغنية” والذي يهز اسمه بمجرد ذكره أركان الكيان الاسرائيلي. طبعا لم يشر الايرانيون الى سبب تسمية الصاروخ بعماد الا أن العارف بالقادة الايرانيين من رفاق السلاح مع القائد “عماد مغنية” يعلم جيدا أنهم يحملون من بعد النظر ما يكفي لارسال الرسائل المبطنة تهديدا لعدوهم الاسرائيلي.
كما ويأتي الاعلان عن هذه التجربة في مرحلة حساسة ومصيرية لمحور المقاومة. حيث يخوض حربا ضد المنظمات التكفيرية في كل من العراق وسوريا. حرب هي بشكلها الظاهر ضد التنظيمات التكفيرية المسلحة وعلى رأسها داعش ولكن بخلفيتها الفكرية والاستراتيجية هي حرب بين محوري المقاومة والمحور الامريكي – الاسرائيلي الداعم لهذه التنظيمات والذي يسعى وعبر كل وسائله المتاحة الى تقطيع اوصال دول المحور المقاوم. وهنا لم يعد من المستبعد في المستقبل القريب القيام بضرب اهداف للتنظيمات الارهابية داخل العراق او سوريا من خلال صواريخ موجهة انطلاقا من الاراضي الايرانية.
وعلى صعيد آخر من الملاحظ أنه لم يتم الكشف كما جرت العادة عن مدى الصاروخ. ولكن هكذا صاروخ وبالنظر الى أجنحته ومنصة اطلاقه وطريقة تحليقه بالاضافة الى عمله على مراحل يؤكد أن مداه يزيد عن الفي كيلومتر. وقد يكون الهدف من وراء عدم ذكر مداه هو تعزيز قدرات الردع النفسية (اذا صح التعبير) لهذا الصاروخ وابقاء مداه مجهولا أمام أعداء ايران وبالخصوص ممن هم ضمن دائرة استهدافه.
وفي خلاصة ما ورد، يمكن ذكر عدة امور وهي التالية: ايران القوية القادرة لا زالت هي ايران الثورة. واستراتيجيتها لم تتغير وخطوطها الحمراء لم تتغير. أعداء ايران لم يتغيروا، ومن يظن نفسه أصبح بمأمن فهو مخطئ.. كلها رسائل مبطنة أتقن الايرانيون لعبتها عبر وسائل كثيرة. يبقى أن يوقن أعداء ايران بأنها لم تتزحزح عن استراتيجيتها قيد أنملة وانما تعمل ليل نهار في سبيل تحقيق أهداف ثورتها التي انتصرت منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود.
المصدر / الوقت