إنجازات التحالف الرباعي تتسارع من سوريا إلى العراق وتقلب الموازين
لا يتردّد أحد من مؤيدي أو معارضي التحالف الرباعي الجديد أن يعترف بالإنجازات التي حققها لغاية الآن على الرغم من مرور أيام قليلة على إنشائه. ولعل أبرز ما يُستدل به على نجاحه تصريح المعارضين له وقلقهم حيال ما أثمر من نتائج في مقابل إثبات التحالف الدولي الأمريكي فشله في محاربة الإرهاب ووقف زحف وتمدد تنظيم داعش في سوريا والعراق، بل عدم صلاحيته للقيام بهذا العمل لأنّ أكثر مكوناته هي التي صنعت ودعمت هذا الإرهاب.
ولا شك أنّ أعضاء التحالف أثبتوا حتى قبل إنشائه جدّية في التصدي للإرهاب، وإجتماعهم على قضية واحدة أثمر نتائج مضاعفة بدأت تظهر مفاعيلها في الساحتين السورية والعراقية. ولم تكاد تمرّ أياماً قليلة على الإعلان عن التحالف الرباعي حتى بدأت التحليلات بأنّ تحوّل جديد تشهده المنطقة، والحضور والدور الروسي – الإيراني سوف يغّير معادلات وموازين القوى في الشرق الأوسط. فما الذي حققه التحالف في غضون هذه المدة القصيرة؟ وما هو الأفق والدور المرتقب على الصعيد الميداني المشترك وما هي الإستراتيجية التي يتبعها التحالف لتحقيق إنجازاته؟
إنّ التحالف الذي بدأعمله كغرفة عمليات مهمتها الأساسية جمع وتحليل ومعالجة وتبادل المعلومات الجارية حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط في سياق مكافحة تنظيم داعش، والقيام بعدها بتوزيع هذه المعلومات التي يتم الحصول عليها وايصالها السريع إلى هيئات الأركان في روسيا والعراق وإيران وسوريا، تطورت أهدافه ودوره ومهمته لتشمل العمل العسكري الميداني المشترك في سوريا والعراق على قاعدة “روسيا جواً وباقي أعضاء التحالف براً”. ويعود تقسيم هذه الأدوار إلى القدرة التي تملكها روسيا دون غيرها على القيام بغارات جوية بشكل علني، مقابلةً بذلك الطلعات الجوية للتحالف الأمريكي، دون الوقوع في إشكال على المستوى الدولي. وهنا لا بدّ من الإشارة أنّ حزب الله اللبناني وقوات الحشد الشعبي العراقي هم في طليعة العاملين في هذا التحالف دون ذكر إسمهما فيه. وقد أثبتوا إلى جانب القوات الإيرانية والجيش السوري والعراقي حضوراً فعالاً في سوريا والعراق.
وفي إطار هذه الإستراتيجية انطلقت الأسبوع الماضي المرحلة الثانية من خطة التحالف في سوريا مع إرسال إيران دفعة أولى من قوات الحرس الثوري التي ستنضم إلى قوات الجيش السوري ومجموعات حزب الله للشروع في حملة برية تستهدف في المرحلة الأولى إعادة السيطرة على مناطق في شمال غرب سوريا. والمرحلة بدأت للعمل على السيطرة على كامل ريف حماه وسهل الغاب ومناطق في محافظة إدلب وريف اللاذقية الشمالي – الشرقي، بالإضافة إلى محاور أخرى في ريف حمص الشمالي، وصولاً إلى الشروع في مرحلة ثالثة تستهدف الوصول إلى الحدود التركية – السورية.
فقد كان الأسبوع الأخير مرحلةً أساسية في إطار عمل التحالف الرباعي المشترك لمحاربة داعش، حيث شهد تغيراً جذرياً على الساحة السورية. وقد أعلنت هيئة الأركان الروسية أنها أعدت خارطة خاصة بمواقع تنظيمي داعش والنصرة . وقال الجنرال أندريه كارتابولوف رئيس المديرية العامة للعمليات في هيئة الأركان العامة الروسية أمس، إن العسكريين الروس أقدموا على هذه الخطوة، بعد أن تجاهل شركاؤهم الغربيون طلب موسكو لتسليمها بيانات حول مواقع “المعارضة المعتدلة” في سوريا. وأوضح أن إعداد الخريطة جاء على أساس المعلومات الاستطلاعية الخاصة بالجانب الروسي والمعلومات التي تحصل عليها موسكو من مركز التنسيق العملياتي في بغداد. وهو إنجاز مهم سيلقي بظلاله على دقة العمليات العسكرية لإستهداف الإرهابيين في سوريا، وهو ما يُضاف إلى لائحة إنجازات التحالف.
ومن جانب آخر وفق مصادر ميدانية يتابع الجيش السوري والقوات الداعمة له تقدمه على طول خط الجبهة تحت الغطاء الجوي الروسي، فيما يهرب مسلحو “داعش” من مواقعهم بشكل جماعي، بعد أن فقدوا معنوياتهم. وكشفت المصادر أن التقدم يشمل بالدرجة الأولى الاتجاه الشمالي، بما في ذلك أرياف حلب وحماة وحمص ودمشق.
من جانب آخر فإنّ التقدم في الميدان العراقي يتطور يوماً بعد يوم حيث استطاعت القوات الامنية والحشد الشعبي وحلفائهم خلال فترة قياسية، من تحرير أكثر من 90% من مناطق بيجي والرمادي، بفضل معلومات تم الحصول عليها من مركز معلومات التحالف الرباعي بقيادة روسيا وإيران خاصة. وقد رفعت مشاركة التحالف الرباعي من عزيمة القوات الأمنية وجعلت الانتصار أكثر سهولة وأقل خسائر وأقل وقتاً.
وتمكن الجيش العراقي ومعه الحشد الشعبي وأبناء العشائر وحلفائهم من تسجيل إنجاز جديد في معركتهم ضد تنظيم داعش حيث تم تحرير أكثر من ألف كيلومتر مربع شملت ثماني مناطق ومواقع، أبرزها مصفاة بيجي. وتتابع القوات الأمنية العراقية تقدمها في محافظة صلاح الدين من أجل استعادة السيطرة على المناطق كافة، وتطويق كامل حدود بيجي وصولاً إلى منطقة الفتحة شمال شرق تكريت. أما في الانبار فتستمر العمليات العسكرية مع تسجيل تقدم للقوات العراقية التي استعادت السيطرة على منطقة الجواعنة بين حديثة والبغدادي غرب الأنبار. كذلك تقدمت القوات الأمنية في منطقة التأميم غرب الرمادي وحررت الحي الصناعي والمجمع السكني ومخازن التجارة فيما دمر جهاز مكافحة الإرهاب بالتعاون مع سلاح الجو أكبر معمل لتفخيخ السيارات وتصنيع العبوات الناسفة في منطقة التأميم أيضاً. كل ذلك ساعده في تحقيقه وإنجازه الجهود المشتركة للتحالف الرباعي على المستويين المعلوماتي والعمل العسكري الميداني.
وإنطلاق تخطيط العمليات من العاصمة العراقية رسالة موجهّة إلى أمريكا خاصةً، وهذه الرسالة تختزن عدة إشارات، على أمريكا التي لعبت لسنوات على الساحة العراقية ثمّ خرجت مهزومة منه، أن تلتقطها جيداً وتفهم ما وراءها. وإختيار بغداد مقراً للتحالف الرباعي لم يأت من فراغ خصوصاً وأن حكومة الرئيس الأسد لا تملك الاعتراف الدولي الجامع عليها مثل ماهو الحال لحكومة بغداد، وبعد تأسيس الغرفة أصبح لروسيا قدرة التنسيق مع واشنطن التي تملك في بغداد أكبر سفارة في الشرق الأوسط.
فالتحالف الرباعي لن يبقى رباعياً بعد التحرك الصيني الأخير، ما يعني توسع التحالف الذي تقوده روسيا وتعزيزه بقوات دولية دائمة العضوية في مجلس الامن، ما يجعل منه ذات قدرات عسكرية ومالية غير محدودة تقريباً. فالتحالف الرباعي يمضي قدماً بخطواتٍ ثابتة للقضاء على الإرهاب، وإنجازاته التي تحققت في وقت قياسي تُخبر عن مستقبله، وعمله يتطور يوماً بعد يوم ليصبح أكثر تنسيقاً بين أعضائه الذين يتشاركون الرؤى والأهداف والأولويات على عكس التحالف الدولي. وفضلاً عن الأهداف العسكرية التي يرمي الوصول إليها التحالف، إلا أنّ ما حقّقه لغاية اليوم وما ستشهده الأيام من تطورات، سيدفح العملية السياسية قدماً للوصول إلى حلول للأزمة السورية والعراقية وغيرها من أزمات المنطقة.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق