كيف غطّى الإعلام العربي والغربي التدخل الروسي في سوريا؟
يلاحظ أي متابع للإعلامين العربي والغربي أن إهتمام غالبية وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة منصب على التدخل العسكري الروسي في سوريا بين مؤيد ومعارض، حيث لا تقل جبهة “الحرب الإعلامية” سخونة عن نظيرتها الميدانية.
مع اليوم الأول للحملة الجويّة الروسية على تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وبقيّة الجماعات التكفيرية، وبصرف النظر عن طبيعة الموقف إزاء هذا التدخّل، إلا أننا شاهدنا جملةً من الخطوط العريضة حاولت وسائل الإعلام هذه الترويج لها، كل حسب سياسته، لذلك سنحاول في هذا التقرير تلخيص مواقف وسائل الإعلام العربية والغربية، دون أن نغفل في النهاية عن موقف الإعلام الروسي.
الإعلام العربي
إنقسم الإعلام العربي بين مؤيد ومعارض للضربات العسكرية الروسية ضد تنظيم داعش الإرهابي، وفيما يرجح بعض الكتاب أن انخراط روسيا عسكريا في سوريا سوف يؤدي إلى إطالة الحرب وتعقيد المسألة، يرى آخرون أن تفاقم الأزمة من الممكن أن يجبر جميع الأطراف على إنهاء القتال، وربما يقضي على تنظيم داعش الإرهابي.
نبدأ مع صحيفة الأهرام المصرية التي إعتبرت أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، تسبب بخلط أوراق كثيرة لدى القوى الغربية في التحالف الذي تقوده واشنطن في سوريا والعراق، كما أشاع حالة من الفوضى في صفوف حلفاء واشنطن العرب. ورأت الصحيفة أن هذا التدخل هو “بداية النهاية لتنظيم داعش الإهابي”
كرم جبر شرح أسباب الإرتياح إلى التدخل الروسي في صحيفة اليوم السابع، موضحاً أن روسيا صديق لمصر في أوقات الأزمات أما أمريكا فهي التي تصدّر لنا الأزمات، وختم جبر بالقول: كيف لا تشعر بالارتياح للغارات الروسية التى دكت مواقع الخونة الذين باعوا أوطانهم؟.. قد تكون بداية الإنقاذ .
صحيفة الأخبار اللبنانية، وجدت في التدخل الروسي حركة تصحيحية، خالصةً إلى نتيجة تتقاطع وكلام رئيس الوزراء الروسي بعد انطلاق العملية الجوية في سوريا: “نقاتلهم هناك (في سوريا) لكي لا نقاتلهم هنا بعد عودتهم (منتصرين ضمناً) إلى بلادنا”.
وأما صحيفة الثورة السورية فترى أن الضربات الروسية سوف تفرض على الغرب طرح سياسات مختلفة تجاه الصراع .
لم يكن الموقف الأردني بعيداً عن نظيره المصري، فقد إعتبرت صحيفة الرأي الأردنية ان روسيا مرشحة اكثر من غيرها للعب دور مؤثر في الازمة السورية، واطلاق عملية تسوية سياسية، كونها العامل الأكثر تأثيرا وقبولا لدى احد اهم اطراف المعادلة السورية وهو النظام السوري، إضافة الى استقبالها وفود المعارضة السورية المعتدلة في موسكو قبل فترة.
في السياق ذاته قال الدكتور «عبد الله النفيسي» أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت عبر حسابه الرسمي بموقع «تويتر»: «إن مصر والأردن والإمارات يؤيدون التدخل الروسي العسكري في سوريا وذلك لحماية نظام (الرئيس) الأسد، ومحاربة الجماعات الإرهابية”.
في المقابل، إعتبرت صحيفة الوطن السعودية في افتتاحيتها “إن ما يثير الريبة هو بدء الطائرات الروسية عملياتها العسكرية، وقصفها مواقع داخل الأراضي السورية بذريعة أنها تابعة لتنظيمات إرهابية” وأوضحت الصحيفة أن “التدخل العسكري غير صحيح، وهناك مآرب أخرى سوف تظهرها الأيام “.
سعودياً أيضاً، أكّد الإعلامي والكاتب جمال خاشقجي ان السعودية ستقاوم الإحتلال الروسي والإيراني لسوريا، وأن الرياض لن تصمت على هذا التدخّل. ودعا خاشقجي للدفاع عن سوريا موضحاً أن الدفاع عن سوريا(المسلحين) هو دفاع عن السعودية. كما طالب خاشقجي بالعزوف عن تسمية المسلحين في سوريا مقاتلين أو الثوار، بل “آن الأوان لتسميتهم مجاهدين”.
قطر شاطرت السعودية في رفض التدخل الروسي، حيث أوضحت صحيفة “الراية” القطرية ان “التدخل العسكري الروسي في سوريا يؤجج الصراع ويطيل من أمد الأزمة”، معتبرةً أن “روسيا ترى في التدخل في سوريا فرصة لتحدي نفوذ حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط”.
ورأت الصحيفة أن “الحلف الروسي الإيراني العراقي السوري لن يحفظ لروسيا قاعدة أسطولها العسكرية في طرطوس؛ ولكنه سيعيد لها تواجدها في الشرق الأوسط، لتفتح أمام أساطيلها الحربية موانئ هذا الحلف، وعليه تستعيد روسيا جزءا كبيرا من مجد الأسطول السوفيتي في المنطقة وتتهاوى خطط الناتو لحصار روسيا داخل حدودها “.
اذاً، يتّضح من خلال الخطوط العريضة للإعلام العربي المخالف للتدخل الروسي أمرين: الأول، تهميش الحديث عن أي دور إيراني في سوريا، وأما الثاني، فهو محاولة الضغط على روسيا لتغيير موقفها من الرئيس السوري بشار الأسد.
الإعلام الغربي
أولى المواقف الغربية جاءت من أمريكا التي أعلنت أن العمليات العسكرية الروسية على تنظيم “داعش” الإرهابي لن يكون لها فائدة كبيرة، وأنها بمثابة صب الزيت على النار، لينتقل الهجوم الأمريكي بعد ذلك إلى محاولة التشكيك في العمليات العسكرية الروسية عبر نشر دعاية مضادة تتهم موسكو بأن هدفها الحقيقي توجيه ضربات للمعارضة السورية تحت غطاء الحرب على “داعش “.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس الروسي وجه صفعة قوية للولايات المتحدة عندما قام بإطلاق صواريخ من بحر قزوين وأصاب جميع الأهداف المحددة، وهذا يتناقض تماما مع الغارة التي شنتها الولايات المتحدة بالخطأ على مستشفى “أطباء بلا حدود” في محافظة قندوز بأفغانستان .
التحرك الروسي في سوريا هو بمثابة رسالة ضمنية من جانب الرئيس فلاديمير بوتين، مفادها أن روسيا لن تتخلى عن حلفائها، بحسب ما تراه مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، خصوصا الرئيس السوري، بشار الأسد، يعد أحد أهم حلفاء موسكو في الشرق الأوسط .
وفي مقال آخر إعتبرت الصحيفة، أن روسيا تهدف من وراء تحركاتها العسكرية الأخيرة في سوريا إلى الحفاظ على مصالحها في هذا البلد العربي، وليس حماية «بشار الأسد»، كما يعتقد البعض .
صحيفة الديلى تليجراف البريطانية، قالت إن التدخل العسكري الروسي في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد في مواجهة الجماعات المسلحة، أثار حرب أسعار النفط بين الكرملين والسعودية .
وخلصت الصحيفة إلى أن تدخل روسيا المباشر فى سوريا سوف يؤدى بجميع الأطراف المعنية بما فيها إيران، التي تم رفع العقوبات الاقتصادية عنها مؤخرا، إلى حرب أسعار نفط عالمية تزداد عمقا واستمرارا في ظل أطراف تتسبب سياستها في خفض الأسعار، وستكون نتيجة معركة الاستنزاف هذه انهيار الحكومات في كل من الرياض وموسكو .
في السياق نفسه تحدث الكاتب البريطانى روبرت فيسك في مقاله بصحيفة “الإندبندنت” البريطانية” عن اختفاء المعتدلين فى سوريا وعدم وجود طرف صالح فيها. وقال إنه يقال إن الغارات الجوية الروسية تقصف المعتدلين فى سوريا، وهم نفس المعتدلين الذين اعترف الأمريكيون قبل شهرين فقط بعدم وجودهم .
روسياً، يلاحظ المتابع للإعلام هناك أن اهتمام غالبية وسائله منصب على استقطاب الرأي العام تجاه تأييد التدخل العسكري في سوريا، وينعكس ذلك بشكل واضح في البرامج الحوارية والتقارير الإخبارية والتحليلية التي رأت أن الحملة تهدف للقضاء على “الإرهاب” بشكل استباقي لحماية البلاد ولمنع وصوله إلى جمهوريات آسيا الوسطى ومنها إلى روسيا الاتحادية.
اذاً، الإعلام الغربي لا يريد حسم الأزمة السورية على الأيادي الروسية خاصة في المرحلة العسکریة والإنتقال نحو المرحلة السیاسیة، بل يريد لأمريكا أن تكون جزءاً من الإنتصارات على تنظيم داعش الإرهابي، لتكون بذلك شريكا في الإنتصار وتداعياته.
في الختام يمكننا تلخيص الخطوط الإعلامية بالتالي: القضاء على تنظيم داعش الإرهابي- تغيير موزازين الصراع- حركة تصحيحة تحمي العمق الروسي- حرب إستنزاف لروسيا-القضاء على المشروع الأمريكي- صب الزيت على النار- محاربة الإرهاب بشكل استباقي لحماية البلاد ولمنع وصوله إلى جمهوريات آسيا الوسطى ومنها إلى روسياالاتحادية- حماية النظام السوري وضرب المعارضة المسلحة- تفاقم الأزمة من الممكن أن يجبر جميع الأطراف على إنهاء القتال.
المصدر / الوقت