ما هو سر عداء الحكومات العربية لإيران .. وإلى أين ؟
عبدالرضا الساعدي
معظم العرب – كحكومات وسياسيين – يقفون بالضد من سياسة الدول التي لا تخضع للدول الكبرى الطاغية والاستعمارية ، لأنهم _ أي العرب .. لاسيما الانبطاحيين منهم – مرتبطون بأجندات ومصالح وأهداف هي في حقيقتها ضد مصالح شعوبهم وشعوب المنطقة ، بفعل تأثير الولايات المتحدة وحليفتها الأولى إسرائيل اللتين تجند بعض العرب الإنبطاحيين لتحقيق مشاريع واستراتيجيات تخريبية وتقسيمية منذ احتلال فلسطين عام 1948 وحتى يومنا هذا.
هذا مدخل موجز وأولي بسيط يفسر عداوة بعض الدول العربية ،وخصوصا دول الخليج ، لجمهورية إيران الإسلامية منذ سقوط الشاه ، وهو الموقف الذي يتطابق تماما مع موقف إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها من الشرق والغرب ، كون إيران دعمت وتدعم القضية الفلسطينية والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني يوميا وفي كل مكان ، منذ اللحظة الأولى التي تفجرت فيها الثورة الإسلامية عام 1979 م ، ورفضها للتبعية والخضوع والاستسلام إلى الدول الاستكبارية الاستعمارية التي يخضع لشروطها أغلب العرب المستسلمين وفي مقدمتهم دول الخليج التي حاربت إيران بالوكالة عام 1980 من خلال الطاغية المقبور صدام ، فدعمته بالمال والسلاح والإعلام وكل شيء ، كي تفشل الثورة الإسلامية أولا ولكي ينتصر الباطل والذل والخضوع ، والتبعية للأجنبي الأمريكي الصهيوني المحتلين ، فلن تنهض الشعوب وتحقق عزتها وكرامتها واستقلاليتها أبدا ..
هذه الدول الخاضعة والمستسلمة لدول الهيمنة والانفراد بالعالم ، تجند إمكاناتها المادية والمعنوية وماكيناتها الإعلامية المأجورة ليل نهار للنيل من صورة إيران وسمعتها ومواقفها المبدئية تجاه قضايا الأمة وشعوبها المصيرية ، والمفارقة أن بعض هذه الدول المعروفة بطائفيتها وتدخلاتها المفضوحة في شؤون البلدان الأخرى كالعراق وسوريا واليمن ، تتهم إيران بهذه التهم _ أي الطائفية والتدخلات بشؤون الآخرين _!! لا لشيء سوى ديمومة وتعميق العداء بين العرب وإيران كي يتجاوز السياسة ويصل العداء بين الشعوب أنفسها ، تحقيقا لأهداف إسرائيلية أمريكية بعيدة المدى ومعروفة في المنطقة ..
يقول الكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل بشأن معاداة العرب لإيران :
“عيب ما نفعله مع إيران إنه جريمة تاريخية”.ومضى قائلا “إيران ليست عدوا وإنما هي جار موجود في المنطقة، قد تكون بيننا وبينه تناقضات ولكنها عرضية، ، إيران ليست حركة صهيونية وناس( جايين )من خارج المنطقة، أنا أمام شعب مسلم موجود وله تاريخ، يجب أن نفرق بين إيران كسياسة وإيران التاريخية المسلمة”.وخلص إلى المطالبة بكسب صداقة إيران لا عدائها.‘‘
لكن الخليجيين لا يروقهم مثل هذا الكلام ولا غيره ، لأنه عين الحقيقة وإن الخاسر الوحيد من هذا العداء هم شعوب المنطقة العربية والإسلامية .. واليوم يزداد هذا العداء العربي درجات كبرى لأن إيران تتصدى للإرهاب بكل صنوفه وأخره إرهاب داعش ، داعش المدعوم من بعض دول الخليج والمصنوع في المختبرات الصهيونية لكي يتم الإجهاز على العراق وسوريا ، كما أن إيران اليوم ضد التدخل العسكري السعودي الدموي في اليمن وتساند قضية الشعب اليمني المطالب بحريته واستقلاله وكرامته .. وتحاول السعودية وغيرها بشتى الطرق والسبل ثني بعض الدول العربية عن المضي في تحسين وتطوير علاقاتها مع إيران ، مثل دولة مصر العربية التي لها رؤية مغايرة للعرب ،على ما يبدو ، من إيران مثلما لها رؤية مختلفة في مواجهة الإرهاب وهي التي كانت مؤيدة للموقف الروسي في سوريا وحتى للتحالف الرباعي الأخير المضاد لداعش الإرهابي في كل من العراق وسوريا.
أمريكا في سياستها طبعا تعمل بشكل دائم على الخط العربي في عدائه لإيران ، ومادام التناقض حاضرا بين دولة كبرى تبحث عن خاضعين لهيمنتها وبين إيران ‘‘فأميركا أمام نظام في إيران رافض للهيمنة الأميركية وملاصق لروسيا وللصين،_ على حد تعبير هيكل _ وهو في منطقة وموقع جغرافي يشكل نقطة ارتكاز مشرفة على روسيا والصين وتركيا… يمكن أن تقبل أميركا بترتيبات في هذه اللحظة، ولكن لن ينتهي عداء أميركا مع هذا النظام مهما كان، إلا إذا غيّر النظام طريقته أو غيرت أميركا مطالبها منه. التناقض الحالي بين الاثنين أكبر من أن يحل، ولن توفر أميركا أي قيد تقدر أن تفرضه على تمدد النووي الإيراني. ليس هناك فترة اختبار بين الاثنين كالعلاقة بين ولد وبنت في فترة الخطوبة. نحن هنا أمام علاقة قوة: هل تستطيع أميركا أن تقبل بقوة في المنطقة قادرة على الانتشار والتأثير خارج حدودها ولا تكون حليفة لها. ما نشهده اليوم هو الاستمرار للوضع الذي جاء بعد الثورة الإيرانية، والحيرة بين إمكانية احتواء الثورة وهي ترفض أن تُحتوى، وبين ضربها وهذا أمر لا يقدر عليه أحد ولا يرغب فيه احد.. فهل تستطيع أميركا ان تقبل في هذه اللحظة نظاماً ثورياً خارجاً على طاعتها ويمارس سياسة مستقلة‘‘؟
ويمن إيجاز ملامح العلاقة العدائية بين العرب من جهة وإيران من جهة أخرى تدور ضمن مدارات جوهرية أهمها : الموقف الأمريكي المضاد من إيران ، بسبب الدعم الإيراني الواضح والمبدئي لقضية فلسطين ودورها الإنساني المساند لقضايا التحرر الأخرى ونيل الحقوق الشعبية في البحرين واليمن ، إضافة إلى موقفها اليوم وبالأمس في مواجهة الإرهاب ، والتحاف مع دول جادة وحقيقية كالعراق وروسيا وسوريا وربما غدا مع الصين أيضا ، وهذا التحالف يشكل صفعة بوجه الكذبة الأمريكية وتحالفها الواسع (السرابي) في مواجهة داعش في العراق وسوريا .. أمريكا التي تريد للصراع مع داعش أن يستمر 30 عاما .. لا أكثر !
الحكومات العربية غير المنتخبة من شعوبها والمتسلطة على رقابها ، تتغذى على بث الفرقة والخلافات والكراهية بين شعوب المنطقة وكذلك بين حكومات الدول الإسلامية الأخرى كإيران التي تتعارض سياستها مع سياسات الدول العربية التي لا تمتلك رأيها المستقل ولا تتعامل مع الشعوب بكل طوائفها ومعتقداتها برؤية عادلة وموضوعية ، والتي تعتاش على التآمر والتخريب والحروب بالوكالة كما يحصل اليوم ..
ترى إلى أين يستمر هذا العداء الخاسر ؟