التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

العلاقات الإيرانية الروسية: بين التكتيكي والإستراتيجي 

تشهد العلاقة الإيرانية الروسية جملة جديدة من التغيّرات، لاسيّما في السنتين الماضيتين، حيث ساهمت الأزمة السورية في تقوية العلاقة بين البلدين، الأمر الذي دفع بقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني للتوجّه إلى موسكو ولقاء الرئيس بوتين من أجل وضع خطة مشتركة، بتنا اليوم نعيش تفاصيلها.
لاشك في أن الرؤية المشتركة للبلدين تجاه سوريا ساهمت في تمتين العلاقة، إلا أن المراقب لخط طهران موسكو، يجد ما هو أبعد من “تقاطع الروئ” في أي من الملفات الإقليمية والدولية، بل على العكس تتجه الأمور نحو تشكيل حلف ثنائي بين البلدين عنوانه “الشراكة الإستراتيجية”.

تقاطع مصالح أم تحالف
لطالما إعتقد الخبراء أن طهران لم تكن في يوم من الأيام حليفاً إستراتيجيا لروسيا، بل إن أغلب المواقف المشتركة سببها الرئيس تقاطع المصالح بإعتبار أن الطرفين يواجهان العدو الأمريكي نفسه. وبالفعل تركت موسكو طهران في العديد من المواقف الإقليمية والدولية وحيدة، حتى أنها إمتنعت عن تسليم صفقة الـs٣٠٠ الصاروخية، بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران جراء أزمة الملف النووي .
ولكن عند القراءة التأملية للعلاقات الإيرانية الروسية في السنتين الماضيتين، نرى أن الظروف الإقليمية والدولية والعداء المشترك لأمريكا من ناحية، وعزم الجانبين على تمتين العلاقة من ناحية أخرى، تدفع بتقاطع المصالح هذا، نحو تحالف إستراتيجي. ويمكن الملاحظة أن الساحة السورية اليوم، باتت جبهة مشتركة حيث يقاتل الطرفان في خندق واحد ضد الجماعات الإرهابية، والمصالح الأمريكية، كما أن صفقة صواريخ الـs٣٠٠ باتت قاب قوسين أو أدنى، فضلاً عن تعزيز العلاقات التجارية وتقارب وجهات النظر بشأن بحر قزوين.
على سبيل المثال لا الحصر، في الوقت الذي توجّه فيه رئيس مجلس النواب الإيراني علي لاريحاني إلى روسيا يوم الأربعاء ٢١ أكتوبر/تشرين الأول في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين، توجّه وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في اليوم نفسه إلى طهران لبحث سبل تطوير وتعزيز التعاون. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على الوتيرة التصاعدية للعلاقة المشتركة بين موسكو وطهران.
تكتيكي أم إستراتيجي
قد يصرّ البعض على أن أي تقارب روسي إيراني هو بمثابة “إتفاق تكتيكي”، ولن تتوانى روسيا في المرحلة القادمة عن ترك إيران مجدداً في حال إقتضت مصلحة الدب الروسي ذلك. ولكن عند متابعتنا لتفاصيل الإتفاق النووي وسير المفاوضات، نرى أن موسكو كانت بمثابة خط الدفاع الأول عن طهران، وساهمت بشكل كبير في تعزيز موقف الأخيرة أمام الدول الأوروبية وأمريكا.
كذلك إتّسم طابع العلاقة بين البلدين في المرحلة السابقة بالتقارب الحذر، فرغم المواقف المتقاربة بين البلدين، والقدرات الهائلة التي تمتلكها كل من طهران وموسكو، نرى أن حجم التبادل التجاري بلغ العام الماضي ١.٦٨ مليار دولار، الاّ أن الموافقة جرت على مشاريع مشتركة بقيمة ٤٠ مليار دولار.
اليوم، يتخذ التقارب الروسي الإيراني منحىً تصاعدياً يؤرخ لتحالف إستراتيجي، فواشنطن العدو اللدود للقطب الروسي، لا تلتقي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أي نقطة مشتركة، لا بل على العكس تماماً. وهذا ما قد يدفع بكلا الجانبين للمضي قدماً بتعزيز العلاقات الإقتصادية والسياسية والعسكرية، الأمر الذي يرسخ لتشابك مصالح يصعب التخلّص منها بسهولة.
لا نختلف على مدى أهمية ودور التقارب الثنائي في الملفين السوري والعراقي، إلا أنه بالتأكيد لا يشكل سوى أحد أضلاع مثلث التقارب الإيراني الروسي. أن ينتقل التعاون التجاري من المليار دولار، إلى حوالي الـ٤٠ مليار، فهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على إطمئنان البلدين للعلاقة التي تنتقل سياسياً وإقتصادياً من الشراكة المؤقتة إلى التحالف الإستراتيجي.
ربّما تساهم الظروف الدولية، ووجود عدو مشترك في تمتين العلاقة، إلا أن قدرات البلدين، وإمتلاكهما لجزء كبير من مصادر الطاقة في العالم، إضافة إلى الحدود المشتركة في بحر قزوين، ترسّخ لإستراتيجية العلاقة بين طهران وموسكو، الأمر الذي سيجعل منها موضعاً لسهام العديد من الدول الغربية والشرقية.
لا شيء يثبت في السياسة، خاصةً إذا ما إحتكمت العلاقة لظروف مساعدة وغاب عنها الضابط العقائدي، ولكن وجود إستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات( هناك رؤية لرفعها إلى أكثر من مئة مليار في السنوات القادمة) يعني فرض قيود إقتصادية على العلاقات السياسية بنكهة إستراتيجية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق