المناورات الأمريكية: بين إثبات الحضور والرد على التعاظم العسكري لموسكو وطهران
في ظل عجزها عن القيام بأي فعلٍ يدل على حضورها الإقليمي والدولي، تحاول واشنطن التعبير عن قوتها للفت الأنظار لا أكثر. الى جانب سعيها لتوجيه رسائل واضحة، لكلٍ من روسيا وإيران. وهذا ما برز من خلال المناورات الأخيرة التي تجري حالياً. فماذا في مجريات المناورات ونوعيتها؟ وكيف يمكن قراءة دلالاتها العسكرية والسياسية؟
المناورات النوعية:
أعلنت واشنطن أن الجيش الأميركي وجيوش ثماني دول حليفة نفذوا معاً الثلاثاء المنصرم، اعتراضاً متزامناً لصواريخ باليستية وعابرة وهمية، قبالة سواحل أسكتلندا . ووصفت البحرية الأميركية هذه التجربة بأنها أول عرض مهم لهذه القدرة في التصدي لتهديد صاروخي في أوروبا . والتي أطلق فيها صاروخ “ستاندارد 3 بلوك” الموجه من إنتاج مصانع “رايثون” لاعتراض هدف في نطاق يقع خارج أمريكا وهي المرة الأولى التي يتم فيه إعتراض هدف من الصواريخ الباليستية المعادية في أوروبا . كما وشاركت في التجربة التي جرى التخطيط لها منذ فترة طويلة سفن من أمريكا وأستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنروج وإسبانيا وبريطانيا . وقال قائد القوات البحرية الأميركية في أوروبا وأفريقيا الأدميرال مارك فيرغيسون، إن “هذه التجربة تظهر التزام الولايات المتحدة الدفاع عن أوروبا من خلال منظومة إيجيس ومحطتنا البرية في رومانيا وكذلك من خلال الأداء المحترف لحلفائنا “. وأضاف فيرغيسون أن التجربة التي نفذها “منتدى الدفاع الصاروخي البحري” أظهرت قدرة المجموعة على أن “تجري في شكل آمن دفاعاً بحرياً فاعلاً للتحالف ضد تهديدات متزامنة من السفن والصواريخ الباليستية “.
وكان قرار بناء منظومة الدرع الصاروخية لحلف شمال الأطلسي في أوروبا اتُّخذ خلال قمة بلشبونة عام 2010 و2011. فيما أعلن الأمين العام للحلف أنّ المنظومة ستكتمل عام 2018 . وتقول واشنطن إنها تُطوّر هذه المنظومة بالتعاون مع “الناتو” للتصدي لهجوم صاروخي إيراني محتمل، في حين تلقى هذه التحركات معارضة موسكو التي ترى فيها تهديداً مباشراً لأمنها.
من جهةٍ أخرى شاركت تركيا بالمناورات في شرق البحر الأبيض المتوسط والتي ستستمر حتى السادس من تشرين الثاني المقبل. وكان الحضور التركي من خلال عناصر من القوات البحرية والجوية وخفر السواحل التركية. فيما تشارك فيها من الجانب الأمريكي مدمرة واحدة و طائرتي خفر السواحل. وتجري بصورة متصلة مع مناورات حلف الناتو المستمرة في غرب البحر الأبيض المتوسط.
الدلالات العسكرية والسياسية:
لا يمكن فصل الحدث العسكري من خلال المناورات، عن مجريات الأوضاع في المنطقة والعالم. وهنا وإنطلاقاً من ضرورة الوقوف عند نوعية المناورات وأطرافها المشاركة، فلا بد من قول التالي:
– لم تستطع واشنطن تقبل الرضوخ العالمي للخطوة الروسية الأخيرة في سوريا، تحديداً أنها بقيت خارج معادلة محاربة الإرهاب الجديدة. بل إن ما قامت به موسكو أظهر الطرف الأمريكي في موقع المُدعي للحرب على الإرهاب، بعد أن قدمت نموذجاً نجح في تحقيق أهدافه منذ البداية. لذلك فإن مناورات اليوم، جاءت كمحاولةٍ لإثبات الحضور العالمي لواشنطن تحت حجة الدفاع عن أوروبا.
– كما أن الرسالة الأمريكية لموسكو لا يمكن استبعادها عن طهران. فالخطوة الروسية جاءت مكملةً لخطوة إيران السياسية المتعلقة بالإنجاز النووي. ليكون التحالف الإيراني الروسي تحالفاً أبعد في إنعكاساته الميدانية من محاربة الإرهاب. لنقول أن المسألة تخطت الخطوات العسكرية التنفيذية، لتمُسَّ الهيبة الأمريكية.
– ولأن العالم انشغل في خطوة موسكو وطهران الناجحة في محاربة الإرهاب وتعاظم النفوذ، جاءت خطوة واشنطن بمشاركة الدول الأوروبية ودول من القارة الأمريكية، لتُظهر للعالم اصطفافاً جديداً يتساءل الكثير من المحللين حوله لناحية جديته أو نجاعته. فالدور القيادي الذي اتصفت به واشنطن لم يعد كما كان قبل تعاظم النفوذ الإيراني والروسي. ليأتي استعراض القوة هذا كرسالةٍ تعبر عن الوجود ليس أكثر.
لا شك أن المناورات الأمريكية الأوروبية يجب أن تؤخذ بشكلٍ جدي. لا سيما في ظل تصريحاتٍ أمريكية أشارت بصراحةٍ الى أنها موجهة لكلٍ من روسيا وإيران. لكن أثر هذه المناورات لناحية الإصطفاف العسكري الجديد في العالم، هو من الأمور الأخرى التي تستلزم التحليل. في ظل تحدياتٍ لم يعد يمكن الخطأ بالرهان بها. فهل يُمثِّل استعراض القوة هذا تحالفاً جديداً بوجه المحور الإيراني الروسي الذي تنتمي له الصين حتماً؟ أم أنه تحالف لا يتخطى إظهار الحضور في الميدان؟
المصدر / الوقت