لا صوت يعلوا فوق صوت الإنتفاضة
في عام ١٩٨٧ اندلعت أول انتفاضة فلسطينية مخططة شاركت فيها كل فصائل الكفاح الوطني الفلسطيني، خصوصا فتح وحماس، وهي “انتفاضة الحجارة” التي استشهد فيها ١٣٠٠ فلسطيني و قتل ١٦٠ إسرائيليا، بفعل جمود الموقف في فلسطين واستمرار ممارسات الاحتلال العدوانية . وكان مخططا لهذه الانتفاضة أن تحرك الملف الفلسطيني بقوة وتهز المجتمع الصهيوني بعنف وتمهد لحل للقضية الفلسطينية .
في عام ٢٠٠٠ اندلعت ثاني انتفاضة فلسطينية “انتفاضة الأقصى” في أعقاب تدنيس شارون وأعوانه المسجد الأقصى، وشهدت تلاحما بين “السلطة” (الرئيس الراحل عرفات) والمقاومة الإسلامية (حماس والجهاد والجبهة الشعبية وغيرها من الفصائل)، وهي الانتفاضة التي بدأت عفويا لحماية المقدسات الإسلامية من التهويد، لكن أسبابها كانت كامنة وتنتظر فقط الشرارة . وقد راح ضحية الانتفاضة الثانية قرابة ٤٥٠٠ شهيد فلسطيني ، واستمرت تقريبا حتى تولي الرئيس الحالي محمود عباس السلطة وتعظيم تعاونه الأمني مع الكيان الإسرائيلي وأمريكا، بعد التنسيق المشترك مع الجنرال الأمريكي كيث دايتون .
الآن وفي عام ٢٠١٥ تتجمع في الأفق جميع عناصر اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، ليس فقط لأن محفزات اندلاع الانتفاضتين الأولى والثانية لا تزال على حالها، وإنما لأن الخطط الصهيونية لتهويد المقدسات الإسلامية خصوصا الأقصى تجري على قدم وساق. كما أن معالم خطة تل أبيب في التسويف لحين فرض أمر واقع بالاستيطان وضم أجزاء من الضفة باتت واضحة ومعلنة بدون مواربة . فما هو الفرق بين هذه الانتفاضات ؟ و لماذا الأخيرة هي الأخطر؟
منذ أكثر من ثلاثة أسابيع تعيش القدس وجميع المدن الفلسطينية في الضفة الغربية تعيش هبّة شعبية فلسطينية تقودها فئة الفتية والشباب، بصورة عفوية أو فردية، بعيداً عن أي إطار تنظيمي أو فصائلي. يشتكي هؤلاء من «حالة يأس» بسبب الثمار المرّة لسنوات من المفاوضات والمقاومة الشعبية وانقسام الفصائل في ما بينها.
يعتبر محللون فلسطينيون أن هذه الهبة الشعبية هي أخطر ومختلفة عن سابقاتها، ففي السابق كانت الانتفاضات تحت اطار فصائيلي وتنطيمي، أما الحالية فهي من الشعب مباشرة. شعب يأس من ممارسات القوات الصهيونية المتغطرصة والانتهاكات الإسرائيلية المتمثلة بالاجتياحات لمخيمات الضفة، وتهويد القدس، وتزايد الاقتحامات للأقصى، واستمرار الاستيطان، والاعتقالات، والإجراءات التعسفية بحق الأسرى الفلسطينيين، ويأس الشعب الفلسطيني من المفاوضات التى لم تجلب الا العار والمشاكل على رأس الشعب الفلسطيني، ولذلك عندما نقوم بالتدقيق أكثر في هذه الهبة الشعبية نجد غالبية المتظاهرين هم من الشباب، من سن الخامسة عشرة حتى العشرين. هؤلاء أظهرو أنهم لا يكترثون لدعوات الفصائل؛ ففي اليوم الذي دعت فيه عدة تنظيمات إلى مسيرة «نفير وغضب»، الأربعاء الماضي، لم يأتِ سوى عشرات الشبان إلى حاجز قلنديا، فيما ضرب الباقي منهم بدعوات الفصائل عرض الحائط واتجهوا إلى المدخل الشمالي للبيرة قرب مستوطنة “بيت ايل” .
معظم الشبان الذين يشعلون المواجهات يومياً في مدن الضفة، ينفون عن أنفسهم أن ما يحركهم هو انتماؤهم السياسي، كذلك فإنهم يشتركون في رفض فكرة المقاومة السلمية التي تطرحها السلطة، بل يحمّلونها المسؤولية عن زيادة الاعتداءات الإسرائيلية ونهب أراضيهم جراء ذلك . وكان لافتاً أن عدداً من منفذي عمليات الطعن أوصوا بألا يتبنّى أيّ تنظيم عملياتهم، فضلاً عن أن الاطلاع على الخلفيات الاجتماعية والسياسية لبعضهم يظهر أنهم لم يكونوا مؤطرين سياسياً. في الوقت نفسه، لوحظ خلال ثلاثة أسابيع من المواجهات أن المتظاهرين حافظوا على رفع العلم الفلسطيني في نقاط المواجهة من دون رايات الفصائل، التي لم يُرَ سوى قليل منها، وتحديداً حينما دعت الكتل الطلابية في الجامعات إلى المظاهرات، فضلاً عن انطلاق حملة “علم واحد. وطن واحد” .
كل هذه الأعمال من الشباب الفلسطيني تدل على الوعي والحس الوطني الكبير لديهم، اذ يريدون من هذه الأعمال توحيد الصف تحت راية واحدة وعدم الانقسام كما جرت العادة في الانتفاضات السابقة، مما يؤدي الى ضياع دماء الشهداء والجرحى. و لذلك ان المرحلة الحالية حساسة تتطلب حماية للانتفاضة وتشكل قيادة موحدة لها تضم كافة شرائح والوان الطيف السياسي الفلسطيني لضمان استمرار الانتفاضة وتطوير مراحلها حسب استراتيجية وطنية واحدة وأهدف واحدة ولغة واحدة وراية واحدة حتى تحقق حلم الشعب الفلسطيني، وبالتالي تكون هذه الانتفاضة الدافع القوي لتتوحد الفصائل وتنهي الانقسام الأسود وتبدأ مرحلة جديدة يؤسس فيها الجميع لدولة فلسطينية على تراب فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.
المصدر : الوقت