قراءة في رسائل ودلالات زيارة الرئيس الأسد لموسكو: الميدان والمفاوضات في قبضة واحدة
مهما حاول البعض التقليل من أهمية ومحورية زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا، فإنّ اللقاء المفصلي بين بوتين والأسد فاجأ الأصدقاء قبل الأعداء ووصلت تردّداته مزلزلةً إلى أكثر من عاصمة في المنطقة والعالم.
ومع اتخاذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القرار بإجراء تعديلات على استراتيجية الأمن القومي لضمان استمرارية سياسة الدولة في مجال الأمن القومي، واستمرارية منظومة المصالح القومية والأولويات الاستراتيجية القومية، وجّه الدب الروسي من خلال الزيارة رسائل سياسية وعسكرية عديدة وفي إتجاهات مختلفة وصلت إلى أمريكا وحلفائها وأدواتها أولاً وللحلفاء والشعب والجيش السوري والرئيس الأسد ثانياً، في الوقت الذي تُركت فيها الكثير من التفاصيل للّقاء الرباعي الروسي الأميركي السعودي التركي على مستوى وزراء الخارجية في فيينا، والذي أُعلن عنه وزير خارجيته سيرغي لافروف فور انتهاء القمة.
لم يتوقع أحدٌ أن يقوم الرئيس الأسد “المحاصر والخائف والمعزول دولياً” على حدّ ما يقول أعداء سوريا، بزيارة خاطفة إلى روسيا في ظل وضع أمني حساس وخطير وحشد عسكري في أجواء سوريا البرية والبحرية والجوية، فلم تغالي قناة الـ “CNN ” ، التي طالما أطلقت الدعايات والتضليل وكانت رأس الحربة الإعلامية في الحرب على العراق وسوريا، حين وصفت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو ولقاءه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمثابة “زلزال سياسي” لما تبعها من اتصالات مكثفة بين القيادة الروسية وعدد كبير من قادة دول المنطقة.
فكيف تُقرأ دلالات هذه الزيارة التي ستتبعها خطوات تؤكد وثتبت قدرة التحالف الرباعي في المنطقة؟ وما هي الرسائل العسكرية والسياسية التي أراد الكرملين أن يوصلها إلى الحلفاء والأعداء؟
أولاً: توقف العالم عند مشهد مصافحة الأسد لبوتين على السجاد الأحمر الروسي وإبتساماته العريضة وإستقباله من عدد كبير من القادة العسكريين والسياسيين الروس بعد أكثر من أربع سنوات على بداية الأزمة السورية، وبعد أسابيع على تشكيل التحالف الرباعي بين روسيا وإيران والعراق وسوريا والتدخل العسكري الروسي في الميدان الروسي. فالزيارة التي كانت هدفاً بحد ذاتها أكد من خلالها الرئيس بوتين على دعم مطلق للرئيس السوري بشار الأسد ومنحه الثقة في مقابل الدعوات المنادية لعدم بقائه بعد المرحلة الإنتقالية. وقد وصلت الرسالة الأولى إلى أمريكا والدول المعارضة لبقاء الأسد في السلطة أن موسكو ماضية في دعم سوريا وشعبها ونظامها في مواجهة الإرهاب. وعلى الرغم من معارضة بعض الدول لهذه الزيارة فقد أقرّ المبعوث الأممي بأهمية الزيارة ورحب باللقاء بين الزعيمين واعتبرها خطوةً تخدم التسوية السياسية في سوريا.
ثانياً: قد تحدت روسيا الإدارة الأمريكية بالتجرؤ على إستقبال الرئيس الأسد وتسهيل سفره وحمايته الأمنية إلى روسيا وهو ما وصف البعض بأنه يتخطى الدعم إلى التمسك بشخص الرئيس الأسد وأنّه بحماية روسية، على الرغم من التصريح السابق لرئيس الحكومة دميتري ميدفيدف أنّ روسيا تدافع عن مصالحها القومية في سوريا لا عن أشخاص بعينهم.
ثالثاً: أكدت روسيا على قاعدة أنّ تدخلها في سوريا ليس حرباً لأجل الحرب فقط، على الرغم أنّ محاربة الإرهاب هدف محوري وله الأولوية في هذه المرحلة، بل إنّ التسوية والحل السياسي هما الهدف الأساسي الذي إن تحقق يضعف معه الخطر والوجود الإرهابي في سوريا.
رابعاً: أثبتت موسكو أنّها صاحبة المبادرات السياسية في المنطقة والقادرة على تحريك وإستقطاب الأطراف إلى طاولتها للتفاوض. وما يؤكد ذلك الدعوة التي وجهتها موسكو لإجتماع رباعي في فيينا يضم وزراء خارجية روسيا وأمريكا والسعودية وتركيا، والتي تسعى من خلالها روسيا إلى إقناع الطرفين التركي والسعودي خصوصاً بحل سياسي خارج معادلة إسقاط الرئيس الأسد قبيل انتهاء معركة الإرهاب. وهي رسالة موجهة للدول العربية والأوروبية بشكل خاص أنّ أمريكا لم تعد تملك القدرة على تقديم الحلول للأزمات في المنطقة والعالم وفشلت في محاربة الإرهاب.
خامساً: نقل اللقاء، بين بوتين والأسد، التحالف الرباعي إلى مرحلة جديدة بعد أن أثبت فعالية كبيرة في مواجهة الإرهاب. حيث وصل صدى الزيارة إلى أعضاء التحالف الدولي أنّ المرحلة القادمة ستكون أكثر حزماً في القضاء على الإرهاب للتسريع بخطوات الحلّ السياسي.
سادساً: أعطت الزيارة دفعاً معنوياً للشعب والجيش السوري الذي إزدادت ثقته بقيادته وصموده في مواجهة الإرهاب ورغبته في الإنتقال إلى مرحلة التسوية السياسية.
سابعاً: إنّ توقيت إعلان مجلس الأمن الروسي أن الرئيس فلاديمير بوتين قرّر إجراء تعديلات على استراتيجية الأمن القومي للبلاد من أجل ضمان استمرارية سياسة الدولة في هذا المجال، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأسد إلى سوريا تؤكد على محورية الملف السوري بالنسبة لروسيا وهو ما يلاقي تصريحات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية حول “الحرب المقدسة” التي يخوضها الجيش الروسي في سوريا.
ثامناً: تلقّى الكيان الإسرائيلي رسالة خاصة من بوتين الذي استقبل الأسد بالكرملين بحضور سياسي وعسكري كبير في ردٍ مباشر على زيارة نتنياهو الأخيرة إلى موسكو والذي ظل متباكياً على أعتاب الكرملين دون أن يدخلها.
تاسعاً: فتحت روسيا الباب على مصراعيه أمام خروج الرئيس الأسد من “العزلة ” الدولية المفروضة عليه، حيث وصلت الرسالة إلى كل من يرغب بزيارة أو إستقبال الرئيس الأسد وإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهم، وهو ما بدأ ينشر في الصحف عن إمكانية لقاء كل من المستشارة الألمانية أنجلا ميركل والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس الأسد. فأين ستكون المحطة التالية بعد روسيا؟
المصدر / الوقت