التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

بين كسينجر وكارتر: طروحاتٌ تعكس قلة حكمة واشنطن يترجمها التخبط الإستراتيجي 

لم تمر السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم، بظروفٍ أصعب مما تمر به اليوم. وهو ما يعكسه حجم التخبط الذي تعيشه الإدارة الأمريكية تجاه أحداث المنطقة لا سيما بعد فشل استراتيجيتها في كلٍ من العراق وسوريا. لكن الأمر الذي يجب الوقوف عنده لما يشكله من دلالات، هو تصريحات كلٍ من هنري كسينجر مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي السابق، والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. فلكلٍ منهما ثقله السياسي المؤثر ليس فقط على الصعيد السياسي الداخلي، بل على صعيد السياسة الإستراتيجية لواشنطن. وبعيداً عن حجم التأثير وانعكاساته، فلا بد من الوقوف عند ما أشار له الرجلان في مقالاتهم المتتالية. فماذا في طروحات كيسنجر وكارتر الأخيرة؟ وما هي دلالاتها الإستراتيجية؟

طروحات كيسنجر وكارتر الأخيرة:
كتب مستشار الأمن القومي ووزيرُ الخارجيَّة الأميركي الأسبق هنري كيسنجر مقال في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركيَّة بتاريخ 16 تشرين الأول 2015 تحت عنوان” A Path Out of the Middle East Collapse” (الطريق للخروج من إنهيار الشرق الأوسط( و خلص الكاتب في مقاله للحاجة إلى استراتيجيّة أميركيّة جديدة في الشرق الأوسط بعد إقراره من خلال فحوى المقال، أن السياسة الأمريكية الحالية فشلت. من جهةٍ أخرى وبعد أيام وتحديداً في 23 تشرين الأول 2015، نشر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مقالاً تحت عنوان ” A Five-Nation Plan to End the Syrian Crisis”، (خطَّة إشراك خمس دول لإنهاء الأزمة السوريَّة). وخلص الكاتب فيه الى ضرورة إشراك كلٍ من أميركا، روسيا، تركيا، السعودية وإيران في الحل لإنهاء الأزمة السورية التي اعتبرها حلاً لكافة الأزمات الأخرى.

في الدلالات والتحليل:
لا بد من الوقوف عند أراء المفكرين الأمريكيين ليس من باب الدور بل من باب الأهمية. وهنا لا بد من الإشارة الى ما تعنيه هذه التصريحات من خلال التالي:
– يمكن تفسير الفرق بين رأي المستشارين الأمريكيين، للخلفية السياسية التي ينتمي لها كل منهما. فكسينجر الأقرب للجمهوريين الذي يتنبون سياسة المحافظين الحادة في واشنطن والتي لا تتفق مع سياسات الرئيس الحالي باراك أوباما. وهو الأمر الذي يختلف فيه كارتر الأقرب الى الطرف الديموقراطي أي أصحاب السياسة الليبرالية والتي ينتمي لها الرئيس الحالي.
– لكن الإختلاف الجوهري في طرح الرجلين لا يؤثر على السياسة الأمريكية الإستعمارية لناحية الأهداف بل يعرض وجهتي نظر مختلفة من ناحية التطبيق. فبينما طرح كسينجر ضرورة إنهاء نفوذ التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وحلول حكم فيدرالي طائفي تلعب فيه واشنطن دور الضامن له، طرح كارتر ضرورة الوصول لإتفاقٍ بين أميركا وروسيا ودول إقليميَّة أساسيَّة على أساس المصالح والتحديات المشتركة.
– وهنا فلا بد من الإشارة الى أن تداول كبار السياسيّين والمؤثّرين الأميركيين للسياسة الأمريكية الحالية ومستقبل المنطقة، هو بحد ذاته إقرار بفشل سياسات واشنطن، في حين يُعتبر رأي هؤلاء حكيماً ومؤثراً في السياسة الأمريكية الأساسية ولدى الرأي العام الأمريكي. إذ أن الواقعية السياسية دفعتهم للإعتراف بهزيمة مشروع واشنطن الحالي، والحاجة الى سياسةٍ جديدة، كما أكدت فشل الأحادية الحاكمة لواشنطن عبر طلب السعي للتعاون مع الدول الأخرى. وهو ما يعني عملياً اعترافاً بالعجز والضعف.

في وقتٍ لا يمكن فيه نكران حجم التأثير الذي يحظى به كلٌ من كسينجر وكارتر، يمكن الجزم بأن زمن الحكماء في واشنطن لم يعد موجوداً. في حين يتساءل الكثيرون عن توقيت هذه التصريحات. فبينما أكد المحللون أنها تدل على حجم التخبط الأمريكي في المنطقة والضعف الذي يسود السياسة الأمريكية، يجري الحديث عن أنها قد تكون أرضيةً يُبنى عليها في المستقبل من الأيام. ولعل ذلك يتعلق بالواقع الجديد الذي يمكن أن يكون قد استسلم له هؤلاء المفكرون من خلال خبرتهم السياسية. في حين ينتظر عرَّبوا السياسات، ما ستقوم به واشنطن في المستقبل. فهل ستمشي في رأي حكمائها السياسيين التقليديين؟ وما هي السياسة التي يمكن أن تتبانها واشنطن من الناحية التنفيذية؟ وماذا تعني الطروحات الجديدة بالنسبة لمصلحة المنطقة والعالم؟ أسئلةٌ كثيرة تبقى برسم الأيام المقبلة. في حين أجاب عرابوا سياسات أمريكا الإستراتيجيين، عن حقيقةٍ واحدة وهي، أن زمن التفرد الأمريكي إنتهى، فقلة حكمة واشنطن يعكسها الواقع الإستراتيجي المُتخبط للسياسة الأمريكية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق