التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

اختلاف الرؤی بین الدول العربیة یمنع تشکیل الجیش العربي 

إن الجامعة العربية كيان سیاسي بصفة أساسية، في سياق البنى الفوقية فقط، وهناك اختلافات كبيرة من حيث التوجهات السياسية والقدرات المالية والاقتصادية والعسكرية ونوع الأنظمة، بین الـ 22 دولة المشکِّلة للجامعة العربية؛ ولذلك لم نشهد حتی الآن ترحيباً حاراً وجاداً لفكرة تشکیل الجیش العربي المشترك، وعلى الرغم من أن قادة الدول العربية قد وافقوا علی فكرة تشکیل هذه القوة العسكرية، ولکن ثمة صعوبات عدیدة في طریق تحقیق ذلك على أرض الواقع.

جامعة الدول العربية في الشهر الماضي وبعد تأخير اجتماع خاص للوزراء العرب للشؤون الخارجية والدفاع للموافقة على القوة العربية المشتركة، أصدرت بياناً قالت فيه إنها تلقت من السعودية مذكرةً جاء فیها إن الحكومة السعودية تعتزم تأجيل عقد اجتماع للوزراء العرب للشؤون الخارجية والدفاع إلى أجل غير مسمى.

ووفقاً لبعض المصادر الإخباریة، فإن الخلافات بين بعض الدول العربية، وخاصةً السعودية ومصر حول قيادة الجیش العربي وكيفية التعامل مع الأزمات في سوريا واليمن وليبيا، منعت إقرار تشکیل القوة العربية المشتركة.

التطورات الراهنة في العالم العربي أثارت مخاوف شدیدة حول استمرارية الاستقرار في بعض الدول في المنطقة؛ لذلك تسعى هذه البلدان وخاصةً السعودية ومصر والإمارات للاحتذاء بالمؤسسات الإقليمية الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبي الذي أقدم علی تشکیل الجيش الأوروبي المشترك، أو الاتحاد الأفريقي الذي شکّل قوة حفظ سلام أفريقية، لتشکّل القوة العسكرية المشتركة في إطار جامعة الدول العربية.

مع ذلك، ينبغي للبلدان التي تشكل تحالفاً أو قوةً عسكريةً مشتركةً أن تكون لدیها أهداف موحدة في مجال مفاهيم الأمن والسيادة الوطنية والسلامة الإقليمية، في حين أنه بشأن الجیش العربي نواجه ثلاثة أقسام من الدول في الجامعة العربية:

1. السعودية وقطر: وهدفهما هو حشد الإمکانات العسكرية للدول العربية في مشاريع مختلفة، للتعامل مع محور مقاومة جمهورية إيران الإسلامية أساساً.

2. مصر: وهدفها الرئيسي هو جذب وتلقي المساعدات المالية والاقتصادية للدول العربية الغنية، من أجل تحسين وضعها الاقتصادي وشراء الأسلحة.

3. الدول العربية المطلة علی جنوب الخليج الفارسي: وقلقها الرئيسي هو بقاء حكوماتها وإبقاء مركزيتها.

ومع ذلك، قبل بروز المشاكل العدیدة للوجود العسكري في اليمن، ودعم مصر للهجمات الروسية في سوريا بسبب العدو المشترك، فقد تقاربت وجهات النظر المتباينة، وكانت إمكانية تشكيل الجيش العربي المشترك مرجّحةً، أما الآن فقد تغير الوضع.

هنالك خلافات كبيرة بين الدول العربية؛ وفي الواقع، إن انعدام الأمن والإرهاب الذي تأصّل في العالم العربي في الوقت الراهن، بالإضافة إلى مصادره الأجنبية، له مصادر محلية أیضاً، لأن الوضع في العراق وأنشطة تنظیم داعش في هذا البلد، هو نتيجة الأنشطة الضارة للسعودية وقطر وتركيا إلى حد كبير، والأردن إلى حد أقل.

وحول الحرب الأهلية في سوريا أیضاً، فقد وفّرت هذه الدول الأربع ومن خلال المساعدات اللوجستية والتدريبية والتمويلية والتسليحية الواسعة النطاق للمجموعات الارهابية، الأرضیةَ لحدوثها، ومازالت إلی یومنا هذا تعمل علی إیجاد المناخ المناسب لاستمرار هذا الوضع عبر تقدیم المساعدات الواسعة النطاق للجماعات المعارضة، کما أن السعودية إلى جانب قطر کانتا من العوامل الرئيسية وراء طرد سوريا من الجامعة العربية في عام 2012.

إن التركيبة غير المتجانسة للدول الأعضاء في الجامعة العربية، سوف تخلق توترات دائمة ومنافسات داخلية لمثل هذا الجیش، خاصةً أن العلاقات المتوترة بين قطر والسعودية، العلاقات السيئة بین البحرين وقطر، المنافسة بین السعودية ومصر لقيادة العالم العربي، والنهج المستقل لـ عمان، من الممکن أن تجعل من أداء الجيش المشترك المحتمل ضئیلاً.

ومع ذلك فإن التجارب السابقة للدول العربية في تشكيل قوة عسكرية مشتركة خصوصاً في المنطقة الجنوبية من الخليج الفارسي، في شكل قوة للرد السريع لدول مجلس التعاون، لم تحقق نجاحاً کثیراً، ويمكن التنبؤ بأن تشكيل الجيش العربي المشترك وتشغیله في مرحلة لاحقة، سوف یواجه العديد من التحديات.

قوات “درع الجزيرة” التي نظمت منذ سنوات بوصفها الذراع العسكري لدول مجلس التعاون ومن خلال إنفاق تكاليف عالیة، لم یکن لها أداء سوی قمع الثورة في البحرين، واقتصرت أنشطتها على إجراء مناورات سنوية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السیاق هو، أن القوات العسکریة المشتركة للسعودية والدول الخليجية الخمس الأخری التي لدیها اختلافات أقل من أعضاء الجامعة العربية، وتمتلك التاريخ والتدريب والمعدات الأکثر من الجيش العربي المحتمل، فما هو أداء القوات العسکریة لهذه الدول حتی تُظهر الجيشُ العربي أكثر من ذلك؟

إن اعتماد النهج الواحد من قبل الجيش العربي المشترك حيال الأزمات الإقليمية أمرٌ مشكوك فيه سلفاً، والمواقف والسلوكيات المختلفة على أساس المعايير المزدوجة لبعض الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية إزاء ما يحدث في العراق وسوريا والبحرين، وعدم اتخاذ نهج واحد ضد الجماعات المعارضة في هذه البلدان، یشیر إلی أن أداء الجیش العربي الواحد سیواجه في المستقبل العراقیل والصعوبات في التعامل مع حالات مماثلة.

فلا یمکن إرسال قوات إلى البحرين واليمن لقمع قوى المعارضة السياسية هناك، في حين يتم دعم الجماعات الإرهابية في سوريا والتي تقاتل الحكومة الشرعیة في هذا البلد. ولا یمکن تأسیس جیش موحد بموجب معاهدة بين الدول الأعضاء، في الوقت الذي یقاتل هذا الجیش ضد دولة عضو، ویهبّ في الوقت نفسه لـ “الدفاع عن الشرعية” في دولة عضو أخرى.

فاعتماد مثل هذا النهج يمكن أن يؤدي إلى انهيار هذه القوة المتشکلة في وقت مبكر، ومن جهة إخری إن تبني سياسة واحدة في أداء هذا الجيش أمرٌ بعيد المنال جداً.

السعودية ترغب کثیراً في لعب دور محوري في تشكيل واستمرارية مثل هذا الجيش، والهجوم الجوي للسعودية وحلفاءها في إطار ما يسمى بـ “التحالف العربي”، ما هو إلا مقدمة وأساس للجيش العربي الموحد، وفي هذا الصدد هنالك تحديان رئيسيان:

1.مستقبل الحرب علی اليمن غیر واضح، والتحالف العربي قد فشل حتى الآن في تحقيق أهدافه المعلنة في هذا الهجوم، والسعي إلی شنّ الهجوم البري علی اليمن قد أخفق. لذلك فإن الفشل المحتمل في اليمن یجعل بطريقة أو بأخرى أساسَ الجیش الموحد ناقصاً منذ البداية.

2.التحدي الآخر هو مستقبل السعودية التي فشلت في الوقت الراهن في حل الأزمات المحیطة بها. والصراع الداخلي العنيف الذي خیّم علی البلاط في هذا البلد أيضاً منذ اليوم التالي لوفاة الملك عبد الله، وعدم القدرة على تحقيق الأهداف المحددة في الأماکن التي شهدت التدخل المباشر وغير المباشر العسکري – الأمني، قد أضرت بالمصداقية والقدرة السياسية والعسكرية للسعودية.

من دون الدور المركزي للسعودية ودعمها المالي والسياسي، ومع وجود دور للبلدان الفقيرة مثل مصر والسودان والصومال والجزائر و … في الجيش العربي المحتمل، فمن غير المرجح أن یكون هذا الجیش قادراً على التأثیر في الأزمات الإقليمية بمفرده؛ رغم أنه لیس بعيد المنال أن تتحول مثل هذه القوة وفي ظروف معينة وبدعم من خارج الجامعة العربية، إلی قوة عابرة للحدود ومؤثرة علی المعادلات الإقليمية في جنوب غرب آسيا.

ومن الممكن أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأوروبا موقفاً حیال الذراع العسكري للجامعة العربية، من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز ذلك. وإلا فإن الجیش العربي المشترك سوف لن یتجاوز کونه قوةً رمزيةً وعدیمة التأثیر.

والقضیة الفلسطينية وعلاقتها بتشکیل الجیش العربي أمر مثیر للتأمل للغاية، وتشکّل هذه المسألة واحدة من التحديات الرئيسية التي ستواجه هذا الجيش، حیث أنه على الأرجح وبالنظر إلى تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية، سیفشل الجیش العربي المشترك في أول اختبار جدي له.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق