لماذا الغرب لا یدعم حقوق الإنسان في السعودية؟
باتت حتی الدول الحليفة للسعودية كبريطانيا، لا تستطيع السكوت علی الإنتهاكات التي تصدر من قبل الرياض في مجال حقوق الإنسان وإنتهاك حقوق المرأة بشكل خاص في هذه الدولة. حيث أن هذه الإنتهاكات الجسيمة تودي سنويا بارواح المئات ممن يصدر بحقهم حكم الإعدام لقضايا تافهة من بينها علی سبيل المثال كتابة مقال ضد النظام أو الملك. لا شك أن إنتهاك حقوق الإنسان في السعودية لا حدود له، لكن بما أن الدول الغربية تتعامل بازدواجية مع هذه القضية، فان مصالحها التي تربطها بالسعودية، تمنع هذه الدول من توجيه إنتقادات حادة للرياض. وكل ما سمعنا إنتقادات من الدول الغربية بالنسبة للسعودية في مجال حقوق الإنسان، فانما هي عادة تصدر عن أحزاب المعارضة في الدول الغربية وكذلك المنظمات غير الحكومية في هذه الدول. إذن ما هي الاسباب الرئيسية التي تصد الدول الغربية والمنظمات الدولية عن ممارسة الضغوط علی السعودية لوقف إنتهاكاتها الصارخة في مجال حقوق الإنسان؟
وفي هذا السياق حذر سفير السعودية في بريطانيا خلال مقال نشره في جريدة ديلي تلغراف، من «انعكاسات قد تكون سلبية» علی علاقات بلاده مع بريطانيا في حال لم تتبنی لندن خطاب يتسم بمزيد من الاحترام تجاه الرياض. وجاءت هذه التحذيرات من قبل الأمير «محمد بن نواف بن عبدالعزيز» السفير السعودي في لندن، إثر إلغاء عقدا من قبل بريطانيا كان بموجبه من المقرر بناء سجن في السعودية، وكذلك في أعقاب توجيه انتقادات لاذعة في مجال حقوق الإنسان من قبل جماعات حقوق الإنسان ونشطاء غربيين ضد السعودية.
ووجهه محمد بن نواف انتقادات غاضبة خلال هذا المقال لزعيم حزب العمال البريطاني «جيرمي كوربن» وذلك عندما تحدث كوربن قائلا أنه هو الذي أقنع ديفيد كاميرون بالغاء اتفاق التعاون بين لندن والرياض لتدريب موظفي مصلحة السجون السعودية. وقال سفير السعودية، بانه «شهدت الأسابيع القليلة الماضية تغيرا في الطريقة التي تتم فيها مناقشة المملكة العربية السعودية في بريطانيا. وكان على المملكة أن تواجه غياب التفاهم وسوء الفهم، ولكن في هذه المناسبة أشعر بالحاجة الملحة لمناقشة الإنتقادات الأخيرة».
كما لوح السفير السعودي في بريطانيا خلال هذا المقال الی أن السعودية توفر المعيشة وفرص العمل لاكثر من خمسين ألف اسرة بريطانية وذلك بفضل عقود تجارية ابرمتها الرياض مع لندن، تصل قيمتها الإجمالیة الی عشرات المليارات من الدولارات. وبالاضافة الی ذلك تتحدث التقارير عن أن استثمارات رجال الاعمال السعوديين بلغت ٩٠ مليار دولار في القطاع الخاص البريطاني. وبالاضافة الی التعاون الإقتصادي، تقدم الإستخبارات السعودية كمّاً هائلا من المعلومات الإستخباراتية لبريطانيا للحفاظ علی مصالحها في الشرق الأوسط.
وبالرغم من بعض الإنتقادات البريطانية والغربية التي تصدر تجاه السعودية بسبب إنتهاكاتها البشعة في مجال حقوق الإنسان، نحن من جانبنا نشكك في مثل هذه الإنتقادات، لأنها لم تصل الی معاقبة الرياض من قبل الدول الغربية، وتبقی في الخانة التي تهدف من وراءها الدول الغربية الحصول علی إمتيازات حيوية من قبل الرياض. فعلی سبيل المثال تحاول السعودية إعدام الشيخ نمر النمر لا لذنب سوی لأنه يختلف في الرأي مع النظام السعودي ويطالب بحقوق سكان المناطق الشرقية في السعودية، دون أن نری أی موقف صارم من قبل الدول الغربية لمواجهة هذا الحکم الظالم.
الملفت في هذه الإنزعاجات السعودية تجاه هذه الإنتقادات الخفيفة من قبل الغرب لسياساتها، هو أن الرياض تشير بوضوح الی الدول الغربية، أن علی هذه الدول عدم انتقاد إنتهاك حقوق الإنسان من قبل السعودية، لان ذلك من الممکن سيؤدي الی ضياع المصالح الإقتصادية لدول الغربية في السعودية. كما نفهم ايضا من خلال هذا المقال، أن السفير السعودي في بريطانيا أصبح يهدد الدول الغربية ، أن اي انتقاد للسعودية من قبل هذه الدول سيؤدي الی فتح الباب علی مصراعيه أمام الإرهاب من قبل الرياض، لضرب المصالح الغربية في المنطقة!.
وفي سياق إنتهاكات حقوق الإنسان من قبل القضاء السعودي ومؤسسات سعودية اخری، أكدت منظمة العفو الدولية خلال أغسطس الماضي أن ٢٢٠٨ شخصا علی الأقل تم اعدامهم من قبل سلطات السعودية، منذ كانون الثاني /يناير عام ١٩٨٥ حتی حزيران/يونيو من العام الحالي. ويؤكد التقرير أن أعداد كبيرة ممن تم إعدامهم كانوا قاصرين أو يعانون من أمراض عقلية وفقا لهذا التقرير.
وفي النهاية من البديهي القول أن الدول الغربية إن أرادت حقا دعم حقوق الإنسان في السعودية، فان تهديدات الاخيرة لا يمكن أن تخيف هذه الدول، لكن من المؤسف أن الدول الغربية ليس فقط لم تستطيع كبح ماكنة الإعدامات في السعودية خلال السنوات الماضية، بل بقيت هذه الدول غير معنية بابسط حقوق الإنسان والمرأة في السعودية، حيث أنه لم يصدر حتی الیوم أي دعم واضح من قبل الغرب حتی في مجال دعم المرأة السعودية لنيل حق قيادة السيارة، والسبب الاول والاخير في التماشي الغربي مع إنتهاکات حقوق الإنسان في السعودية، یعود الی خوف الدول الغربية علی مصالحها في المنطقة، فلذا لا يمكن التعويل كثيرا علی الإنتقادات الغربية تجاه السعودية في مجال حقوق الإنسان.
المصدر – الوقت