تدهور العلاقات السعودية – الأوروبية وبريطانيا أول الغيث
ليس خافياً على أحد أنّ ما يربط السعودية بحلفائها الأوروبيين ليس سوى علاقة برغماتية تقوم على مصالح مشتركة بين الجانبين، مبنية في الأساس على الشراكة الاقتصادية بما في ذلك مبيعات الأسلحة والصلات الامنية السرية، المستفيد الأول منها الدول الاوروبية التي تعتبر السعودية سوقاً حيويّاً لمنتجاتها وصناعتها وخدماتها العسكرية والأمنية والتكنولوجية وخزاناً للنفط لتأمين حاجاتها. و سعت الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا للحفاظ على هذه العلاقة على الرغم من تعارض وتضارب الأولويات في “سلوكهما الإرهابي وأيدولوجياتهما السياسية”. وقد عكّرت العديد من الأحداث العلاقات السوية بين الحليفين، اللذين إن سمحت الفرصة أن يُدلي كل طرف بما في جعبته تجاه الآخر، لفهم العالم ما حقيقة العلاقة التي تربطهما.
فإضافةً للخلافات المتعلقة بأمور فردية وإجتماعية من الدولتين، والتي نسمع عنها في هذه الأيام، إلا أنّ الخلافات السياسية والإستراتيجية بين الجانبين أكبر وأعمق، والعلاقات بين البلدين كانت تشهد دوماً أزمات كانت توازن فيها لندن بين قيمها الديمقراطية ومصالحها الاقتصادية. لكن المصالح الإقتصادية والشراكة بالتبعية للقرار الأمريكي كانت دائماً تبعد مشهد الخلاف عن الواجهة. وقد وضعت ملفات عديدة الطرفين في خلافات سياسية خفية. وقد ظهر الخلاف إلى العلن في أكثر من مرحلة بعد الأزمتين السورية والبحرينية والحرب على اليمن خاصةً. وقد انعكس هذا الخلاف في إيصال رسائل مبطنة بين الجانبين تمثلت بإجراءات بحق مواطنين من الدولتين على خلفية قضايا فردية وإجتماعية تتطورت لتوتر الأوضاع بينهما.
والعلاقات بين البلدين كانت تشهد فضائح كل بضع سنوات وتظهر على الإعلام مثل فضيحة فيلم “موت أميرة” الذي سجل عام ١٩٨٠ لإعدام أميرة سعودية وعشيقها بتهمة الزنا، وهي الازمة التي ادت لقيام الرياض بطرد السفير البريطاني لديها وفرض عقوبات اقتصادية على لندن . أما صفقة اليمامة عام ٢٠٠٦ هي فضيحة أخرى هدّدت السعودية على إثرها بقطع العلاقات الاقتصادية مع لندن إذا لم تفرض الحكومة إلغاء التحقيقات المتقدمة في ذلك الوقت في اتهامات بالفساد والرشوة طالت مسؤولين سعوديين وبريطانيين في صفقة أسلحة بريطانية . وكانت حكومة حزب العمال البريطانية السابقة برئاسة طوني بلير أوقفت في كانون الأول ٢٠٠٦ التحقيق بعد تهديد السعودية بوقف تعاونها في مجال مكافحة الإرهاب مع بريطانيا .
كما حصلت أزمة سابقة بين الجانبين عقب تهديد الرياض بإعادة تقييم علاقاتها مع لندن جراء ما اعتبرته إهانة بسبب تحقيق برلماني حول تعامل المملكة المتحدة معها ومع البحرين، واتهامات للرياض بارسال قوات الى المنامة للمساعدة في قمع الثورة في البحرين . وابلغ وقتها السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف آل سعود الـ “BBC ” ان بلاده ” لن تتسامح أو تقبل أي تدخل أجنبي في عمل مجلس التعاون الخليجي، وأنّ علاقات السعودية مع المجلس مسألة داخلية بين الدول الـ ٦ (السعودية والكويت وقطر والبحرين والامارات وسلطنة عمان) ، ولن نتحمل أو نقبل أي تدخل خارجي في عمله” .
وبعد توتر حصل بسبب أحداث متعلقة بمواطنين بريطانيين في السعودية كان أحدها بسبب مسنّ بريطانيّ حُكم بالجلد ٣٦٠ جلدة، بعد أن ضُبطت معه خموراً منزلية الصنع، أعلنت لندن الثلاثاء الماضي أنها تبذل قصارى جهدها لإطلاق سراح المواطن البريطاني المسن كارل أندريه. وتساور أسرة المسن البريطانى مخاوف من أن رب الأسرة الذى نجا من مرض السرطان ٣ مرات قد لا يحتمل جسده هذه العقوبة الثقيلة . وأشارت صحيفة الـ “Guardian ” البريطانية أن قضية البريطاني البالغ من العمر ٧٤ عاماً، أصبحت محط اهتمام الرأي العام في بريطانيا، وتزامنت في التوقيت نفسه مع الخلاف داخل الحكومة البريطانية حول العقد المُلغى بخصوص تقديم بريطانيا نصائح لإصلاح السجون السعودية .
ولم تكن قضية كارل أندريه الأولى من نوعها، فهناك أيضا قضية رائف بدوى، المدون الليبرالي والتي جذبت اهتماماً دولياً، ولكن بحسب الصحيفة، يمكن أن يكون التوتر الآن أعلى، كون المتهم في هذه الحالة أجنبياً وليس سعودياً . وأضاف التقرير أن الخلاف داخل الحكومة البريطانية كان أبلغ دليل على الصراع بين المبادئ والواقعية في العلاقات بين السعودية وبريطانيا.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة ” Daily Telegraph ” مقالاً للسفير السعودي في بريطانيا محمد بن نواف بن عبد العزيز حذر فيه من “تغيير ينذر بالخطر” في اللغة المعتمدة حيال السعودية داخل بريطانيا. واعتبر انه على الرغم من ان “المملكة اضطرت في السابق الى التعاطي مع المفاهيم الخاطئة”، الا انه شعر هذه المرة ان عليه الرد على “بعض الانتقادات الاخيرة “. وحذر السفير السعودي من مخاطر تهدد علاقة لندن والرياض، بسبب ما اعتبره تغيراً في طريقة التعاطي البريطاني مع المملكة، وإنّ الشراكة الاستراتيجية الهامة بين بريطانيا والسعودية أضحت مهددة وبشكل مفاجىء”.
وانتقد السفير السعودي زعيم المعارضة البريطانية جيريمي كوربين، قائلا إنه “خرق الاحترام المتبادل بين البلدين عندما قال إنه أقنع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بإلغاء صفقة تحديث نظام السجون داخل المملكة بقيمة ٥.٩ جنيه بريطاني. وأضاف بن عبد العزيز أن “السعودية تحترم التقاليد والأعراف والدين في بريطانيا، لذا فإننا نطالبها بمعاملتنا بالمثل”، موضحاً “لا نسعى للحصول على تعامل مختلف إلا أننا نتوقع بعض العدل” .
فالسعودية وبريطانيا اللتان تتشاركان نحو ٢٠٠ مشروع اقتصادي تصل قيمتها الإجمالية إلى نحو ١٧.٥ مليار دولار، كما أنّ العشرين ألف بريطاني الذين يعيشون ويعملون في المملكة، والعلاقات التجارية الضخمة التي تربط بريطانيا بالسعودية تبقى قابضة على القرار البريطاني الذي أضحى أثير الصفقات مع السعودية، على الرغم من تصنيفه في موقع إرهابي يختلف عن موقع الإرهاب التكفيري السعودي، لكن الإرهاب التكفيري والإرهاب البريطاني وجهان لعملة واحدة ستفرقهما المصالح والأولويات كما جمعتهما.
المصدر / الوقت