عمان ودعم الحل السياسي في سوريا: بين الواقعية السياسية والدور المتميز
خرجت وسائل الإعلام والصحف الإقليمية والدولية، لتصف زيارة وزير الشؤون الخارجية العماني، يوسف بن علوي لسوريا الإثنين، بالحدث المهم لا سيما لما تمثله عمان كعضوٍ في دول مجلس التعاون، مع ما تتصف به من علاقاتٍ مميزة مع طهران. وهو الأمر الذي يجب تسليط الضوء عليه بطريقة موضوعية. فماذا في الزيارة العمانية؟ وما هي دلالاتها؟
تميزت عمان بدورها التوسطي في الكثير من الملفات لا سيما فيما يخص الشأن اليمني والسوري. الى جانب دورها المعروف في مسألة المفاوضات النووية. وهو الأمر الذي طغى على سياسة عمان التي لم تغرق في قرارات دول مجلس التعاون يوماً. فيما بقيت تلعب دوراً مهماً لا سيما من خلال اعترافها بأهمية المكانة التي تتصف بها طهران. وهنا لا بد من قول التالي:
استطاعت عمان لعب العديد من الأدوار في الأزمات الإقليمية تحديداً. وهو الأمر الذي اتصفت به نتيجة مرونتها السياسية وبُعدها عن التطرف في المواقف، عكس ما اتصفت به الدول الخليجية الأخرى. لتكون عمان في العديد من المحطات باباَ يمكن من خلاله حل الأزمات والوصول الى نتائج ملموسة.
فبسبب الثقة التي استطاعت عمان اكتسابها على مر سنينٍ من أدائها السياسي، لعبت دوراً تنسيقياً في ما يخص المفاوضات النووية الإيرانية بين الغرب وطهران. من جهةٍ أخرى كان لعمان دورٌ كبير في الأزمة اليمنية الأخيرة، وخصوصاً لجهة استضافتها لإجتماعات الحل السياسي والذي كان يسقط دائماً نتيجة الممارسات السعودية.
واليوم يمكن من خلال الزيارة الأخيرة للمسؤول العماني الى دمشق ولقائه الرئيس السوري، تسليط الضوء على أهمية الدور الحالي الذي تحاول عمان القيام به فيما يخص الأزمة السورية. إذ تتجاوز الزيارة ما أعلن عنه من بحث العلاقات الثنائية بين سورية وسلطنة عمان، وتعزيز العلاقات الأخوية بين الشعبين. فلا بد من الوقوف عند توقيت الزيارة، والذي يكشف بحسب المحللين عن دخول سلطنة عمان على مسار الحل السياسي والأفكار المطروحة إقليمياً ودولياً من بوابة الإعتراف بشرعية الرئيس السوري الأسد.
وهنا تجدر الإشارة الى أن تحليل الزيارة لا بد من أن يأخذ بعين الإعتبار أن مواقف عمان المعروفة تجاه ملفات المنطقة بقيت ثابتة ضمن إطارٍ واضحٍ من المبادئ التي بقيت محايدة بعيدة عن الخلافات الإقليمية. فقد اتصف دور عمان دوماً بالإستقلالية عن دور الدول الخليجة لا سيما تجاه العلاقة مع طهران.
وهو الأمر الذي يجب الوقوف عنده إذ يعلم الجميع أن الحل السوري لا يمكن أن يكون بعيداً عن المشاركة الإيرانية. في حين يمكن أن تكون عمان بوابة عبور الحل السياسي في سوريا، بين كلٍ من طهران والدول الخليجية. فالمواقف المتطرفة التي أخذتها العديد من الدول الخليجية لا يمكن أن تؤهلها للمشاركة في هذا الحل. فيما يجد البعض أن مبادرة عمان وسعيها للعب دورٍ ما، قد يعزز من فرص التقارب الإيراني الخليجي، والذي طالما سعت له طهران، فيما بقيت الدول الخليجية باستثناء عمان بعيدة عنه.
وهنا فإن تراجع الدور السعودي وغرق الرياض في حربها على اليمن، الى جانب تراجع ثقة الدول الخليجية الأخرى بها، قد تكون من الفرص التي يمكن أن تعزز الدور العماني كطرفٍ يُمثل دول مجلس التعاون. الى جانب قطر التي ألمحت مراتٍ عديدة لضرورة التقارب مع إيران.
يبدو أن الملف السوري قد يُعيد خلط الأوراق مرةً أخرى. في حين تخرج التسويات كافة، لتؤكد أهمية الدور الإيراني. فزيارة الموفد العماني لدمشق، تدل على وجود انعطافٍ في سياسة مجلس دول التعاون، قد تحتاج للمزيد من العمل الجدي، لكنها تسير في مسار الإعتراف بالواقع السياسي الجديد. لذلك فإن لعمان التي تميزت بدورها البناء لا سيما من خلال سياستها الخارجية، دورٌ فعال ليس فقط على صعيد حل الازمة في سوريا، بل على صعيد تقريب وجهات النظر، بين الأفرقاء السياسيين الإقليميين. فيما برزت هنا مسألة تراجع النفوذ السعودي والتي يمكن ملاحظتها من خلال المشكلات التي تشغل الدول الخليجية لا سيما فيما يخص اليمن. بينما تعتبر فرصة الحل السياسي في سوريا، خياراً يمكن من خلاله إثبات العديد من النوايا. فهل يمكن أن يشكل الدور العماني اليوم بادرةً ستعمم على الدول الخليجية؟
المصدر – الوقت