بلير والحرب على العراق: عذرٌ لا يرتق لمستوى الجرائم وتبريرٌ يمتزج بالعنجهية الغربية
خرج طوني بلير للحديث عن أسفه واعتذاره عما اعتبره الخطأ الإستخباراتي في الحرب على العراق. لكن اعتذاره لم يدفعه للندم، بل افتخر المحامي البريطاني بما اعتبره أنه كان ضرورةً لإزالة الرئيس العراقي صدام حسين. كلام بلير والذي فاجأ الكثيرين، يحتاج للوقوف عنده، لا لإبراز إنسانية الرجل، بل لتأكيد فشل التخطيط الأمريكي والدور البريطاني حينها. فما هي تصريحات بلير الأخيرة؟ وكيف يجب تحليلها؟
كلام بلير الأخير
اعتذر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير في مقابلةٍ تلفزيونية، عن ما وصفه بأخطاء ارتكبت خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق عام 2003، وأدت إلى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين. مشيراً الى أن حقيقة المعلومات الإستخبارية التي تم تلقيها حينها كانت خاطئة، مؤكداً أنه وحتى مع استخدام صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضد شعبه وضد آخرين، إلا أن تلك الأسلحة لم تكن موجودة بالصورة التي كانت متوقعة. واعترف بلير بوجود جانب من الحقيقة في أن الحرب التي قادتها واشنطن في العراق عام 2003 كانت سبباً رئيسياً في ظهور تنظيم داعش الإرهابي. لكنه رفض تحميل المسؤولية لمن قام بإزالة نظام الرئيس صدام حسين في العام 2003 محاولاً ربط ذلك بالأوضاع في العام 2015، مشيراً إلى أن ما يسمی بالربيع العربي كان له تأثير على الأوضاع السياسية في العراق وأن تنظيم داعش بدأ بالظهور بالأساس في سوريا وليس العراق.
كيف يمكن تحليله؟
لا شك أن كلام بلير الإستباقي وحديثه عن الحرب على العراق بالطريقة التي عرضها يعني التالي:
– على الرغم من تحميله مسؤولية الحرب للولايات المتحدة، الا أنه أثبت من خلال كلامه مسؤولية بلاده المشتركة أيضاً. وهو ما يمكن تذكُّره من خلال العودة للماضي، ومراجعة تصريحاته النارية الداعمة والمُحرضة للرئيس الأمريكي بوش حينها. ما يجعل الطرف البريطاني الطرف الثاني بعد واشنطن الذي يجب تحميله المسؤولية. مع ما تؤكده التصريحات من تبعية بريطانيا العمياء لسياسات واشنطن.
– من جهةٍ أخرى حاول بلير تقديم عذره وحصره فقط بما يخص مسألة المعلومات الإستخباراتية، أي ما يُقال عنه، معطيات ما قبل الحرب. وذلك في محاولةٍ منه للتخفيف من حجم المسؤولية التي يمكن أن تلاحق بلاده كما واشنطن. في حين أنه أكد أن كلامه الذي ينم على الإعتذار عن هذه الإخطاء فقط، لا يعني الندم. ليؤكد السياسة العنجهية التي طالما اتصف بها الغرب ومنه لندن و واشنطن، تحديداً لجهة تبرير استعمار البلاد والإطاحة بمن يريدون. فيما يجب التأكيد أن اعتذار بلير لا يرقى لمستوى المجازر والضحايا التي خلفتها الحرب الأمريكية بحق الشعب العراقي.
– عبَّر بلير عن رأيه تجاه أحداث العراق لا سيما خلال ما سُمي بالربيع العربي، محاولاً انتقاد الحكومة الشيعية ومحرضاً بلغةٍ طائفية. كما أنه وعلى الرغم من تأكيده بأن الدخول الأمريكي للعراق كان له دورٌ في بناء وخلق تنظيم داعش الإرهابي، حاول الحديث عن فشل العراقيين في محاربة الإرهاب.
– إن المسؤول البريطاني يستحق أن يُلاحق قانونياً كمجرم حرب. فلم ينس العالم حتى اليوم تحديه لأصوات الملايين ممن خرجوا للتظاهر ضد الحرب على العراق في لندن وبرلين وباريس ومدريد. كما أنه لم يقبل فتح ملفات الحرب بناءاً لطلبات العديد من المنظمات الدولية والمحاكم التي أُنشئت لهذا الغرض.
مرةً أخرى يخرج مسؤولٌ آخر بريطاني هذه المرة، للحديث عن دور بلاده وخطئها في الحرب على العراق. فقد سبق بلير وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في حديثه عن ذلك. لكن الإعتذارات التي تختلط مع العنجهة، لن تنفع بلداً كالعراق ما زال شعبه يعاني نتيجة الحرب التي شُنت عليه. فقد خلفت وراءها ما يقارب المليون شهيد، الى جانب الملايين من الجرحى والأيتام. وكان لها الدور في إشعال الحروب الطائفية وتقسيم العراق وضرب قوة وهيبة الجيش العراقي. فيما يبقى أهم مخاطرها التي خلفتها تنظيم داعش الإرهابي والذي أصبح خطراً على الجميع.
في ظل هذه التصريحات، هل سيخرج زعيمٌ عربيٌ يُدينها؟ وأين هي منظمات حقوق الإنسان؟ ولماذا لا تُشكل محكمةٍ دولية تخص هذه الحرب؟ فيما يبقى السؤال الأبرز حول توقيت خروج بلير وكلامه، وهل أنه يرتبط بمحاولته استباق تقارير ستخرج لاحقا؟ أسئلةٌ للأيام المقبلة.
المصدر / الوقت