تصاعد حركة مقاطعة “إسرائيل”: مئات الأساتذة الجامعيين البريطانيين يشاركون تضامناً مع فلسطين
“تهديد إستراتيجي”. بهذه العبارة وصف الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين دعوات المقاطعة لكيانه. وفي ظل تصاعد حدّة العنف والقتل والإعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وتنامي المواقف المتضامنة مع الشعب الفلسطيني وإرتفاع الأصوات المنادية بمقاطعة الكيان الإسرائيلي على الصعد كافةً إقتصادياً وسياسياً وعلمياً قرر مئات الأساتذة الجامعيين البريطانيين من اكثر من 70 جامعة بريطانية مقاطعة الجامعات الاسرائيلية والمؤتمرات التي تنظّمها احتجاجاً على “الانتهاكات غير المقبولة لحقوق الانسان بحق الشعب الفلسطيني”.
ونشرت صحيفة “The Guardian ” البريطانية أمس كتاباً وقعه 343 استاذاً جامعياً في رسالة مفتوحة قال فيها الأساتذة “كباحثين مشاركين في جامعات بريطانية اننا قلقون جداً من الاحتلال الاسرائيلي غير المشروع للاراضي الفلسطينية والانتهاكات غير المقبولة لحقوق الانسان بحق الشعب الفلسطيني ومقاومة “اسرائيل” لاي تسوية للنزاع”.
وخلال إستقباله أعضاء لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية في مكتبه في القدس الغربية أكّد على أنه ينظر “ببالغ الخطورة إلى قيام بعض الدول المتقدمة بخلط الأوراق بين الحرية الأكاديمية والسياسة أو بين الرياضة والسياسة”. وحذّر الرئيس الإسرائيلي من أن “المحاولات الفلسطينية لدفع مقاطعة إسرائيل في الجامعات الأجنبية والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وغيرها من الجهات هي بمثابة تهديد استراتيجي للدولة”.
وكان الأساتذة البريطانيين الذين ينتمي بعضهم الى جامعات بريطانية عريقة كـ”اوكسفورد” و”كامبريدج” و”لندن سكول اوف ايكونوميكس” و”يونيفرستي كوليدج لندن، قد أشاروا في الرسالة المفتوحة: “تلبية لدعوة المجتمع المدني الفلسطيني، نعلن أننا لن نقبل دعوات من اي مؤسسة تربوية اسرائيلية، ولن نشارك في مؤتمرات تموّلها وتنظّمها وترعاها هذه الجامعات”، مؤكدين انهم سيستمرون في العمل بشكل فردي مع زملائهم الاسرائيليين.
وقال احد موقعي الرسالة البروفيسور كونور جيرتي من جامعة لندن للاقتصاد و العلوم السياسية و الإجتماعية قائلا بأن هذه المقاطعة ما هي إلا تعبيرا صغيرا عن شيء كبير : ” إن العدالة و المساواة يجب تجسيدهما و هذه المقاطعة طريقة بسيطة لنقول امراً مهما : يجب تطبيق العدالة والانصاف فعلياً ويجب احترام القانون الدولي”. وإننا نعبرعن عميق قلقنا من الإحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية و الخروقات التي لا تطاق لحقوق الإنسان المسلطة على مجمل الشعب الفلسطيني.
وهذه المقاطعة للكيان الإسرائيلي ليست الوحيدة في بريطانيا، فقد سبقها دعوات وحملات لمقاطعة الكيان الإسرائيلي. فخلال السنوات الأخيرة الماضية، أعلنت العديد من الجامعات الغربية مقاطعتها للأكاديميين والجامعات الإسرائيلية بسبب انتقادهم الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. وسبق أن بادر الأكاديميان البريطانيان “ستيفن” و”هيلاري رور” سنة 2002 إلى نشر رسالة مفتوحة في ذات الصحيفة تحمل 123 توقيعا لأكاديميين بريطانيين يدعون مؤسسات الثقافة والأبحاث الأوروبية والقومية التي يمولها الاتحاد الأوروبي ومؤسسة العلوم الأوروبية إلى فرض عقوبات على “إسرائيل” بقطع التمويل عنها ما لم تلتزم بقرارات الأمم المتحدة، وتبدي مسعا جادا في المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين، وبعد فترة وجيزة اكتسب هذا التحرك تأييدا متزيدا، إذ تحولت الرسالة إلى عريضة تحمل 1000 توقيع من بلدان عديدة، بل وتضم 10 أكاديميين إسرائيليين، وتشدد على رفض التعاون الأكاديمي مع المؤسسات الإسرائيلية الرسمية بما فيها الجامعات، كما ترفض المشاركة في مؤتمرات علمية في “إسرائيل” أو التعاون البحثي، وقد رافق هذا التحرك دعوة أطلقتها الجمعية الوطنية لمؤسسات الدراسات العليا في بريطانيا دعت فيها كل مؤسساتها إلى إعادة النظر في علاقاتها الأكاديمية مع “إسرائيل”.
وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً في عدد الشركات الأوروبية التي سحبت استثماراتها في الشركات الإسرائيلية. ففي أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009 تراجع الطلب على الصادرات الإسرائيلية بنسبة % 20 وفقا لتقرير أعهده معهد الصادرات الإسرائيلي والذي أكد أن صادرات % 21 من أصل 90 شركة تصدير إسرائيلية تراجعت نتيجة توقف الطلبات التجارية من بريطانيا والدول الإسكندنافية، كما أفاد بأن %10 من أصل 400 شركة تصدير إسرائيلية، تلقت مذكرات بإلغاء التعاقدات لعام 2009 نتيجة قلة الطلب على المنتجات الإسرائيلية والموقف من سياستها العنصرية. وظهرت حركة المقاطعة من جديد عام 2012 على المستويين الشعبي والرسمي، حيث اعتبرت وزارة الزراعة البريطانية أن صادرات المستعمرات الإسرائيلية غير مسموح قانونا ببيعها في أسواق المملكة المتحدة، وعلى المستوى الشعبي قامت بعض الشركات البريطانية بحظر التعامل مع المنتجات الإسرائيلية المنتجة في المستعمرات. وكان مشاركون أكاديميون في ندوة اكاديمية في جامعة تل ابيب قد نادوا بمقاطعة “إسرائيل” حتى تحقق المساواة وتتخلى عن الاحتلال. كما دعت عشرات مجالس الطلبة في الجامعات والكليات في أنحاء أمريكا إدارات المؤسسات الأكاديمية إلى مقاطعة الشركات التي تساهم في استمرار الاحتلال الإسرائيلي وإلى الامتناع عن الاستثمار الاقتصادي فيها. ويأتي هذا النشاط في إطار حركة مقاطعة إسرائيل، BDS، الآخذة بالانتشار في أوروبا وأمريكا في السنوات الأخيرة.
وقال رؤساء الجامعات والكليات في إجتماعهم مع الرئيس الإسرائيلي أمس إنه ينبغي إيلاء الموضوع أهمية قصوى ووضعه على رأس سلم الاهتمامات، لأنه إذا تعرضت الأكاديميا الإسرائيلية للمقاطعة الكاملة سيشكل ذلك كارثة اقتصادية وعلمية. محذرين: “نحن في الدقيقة التسعين، لكن هناك إمكانية لوقف كرة الثلج”. كما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد أعلن سابقاً أن حملة المقاطعة تهدف للقضاء على “إسرائيل” إقتصادياً وعلمياً.
فالأصوات المنادية لمحاسبة الكيان الإسرائیلي ومقاطته تعلو أكثر يوماً بعد آخر في ظل تصاعد الهبّة الفلسطينية الشعبية التي لن تهدأ إلا بعد تحقيق مطالبها المحقة والمشروعة وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي مهما طال الزمن.
المصدر / الوقت