الإنتخابات في اليمن..بين الميدان والسياسة
أرخى إعلان المبعوث الخاص الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد حول تأجيل موعد المباحثات بين الأطراف اليمنية في جنيف، بظلاله على المواقف السياسية لحركة «أنصار الله». التطور الجديد تمثّل بإعلان رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، أن الانتخابات هي الحل الوحيد والمخرج السليم للعملية الديموقراطية القادمة بعد أن يتم إكمال إصلاح السجل المدني وتحديثه ضمن الآلية المتفق عليها وسيكون هو الحل لجميع الفرقاء في البلد.
لقاء الحوثي-الحكيمي
إن الحديث عن الإنتخابات في هذا الوقت تحديداً يحمل في طياته جملة من الدلالات التي لا يمكن التغافل عنها، خاصةً أن كلام الحوثي جاء خلال رئيس اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء القاضي محمد حسين الحكيمي الذي أكّد التزام اللجنة بتحمل مسؤوليتها الكاملة في إنجاح الاستحقاق الديموقراطي المتمثل بالانتخابات الرئاسية القادمة.
وأشار الحكيمي إلى أن اللجنة حريصة كل الحرص على العمل وفق المبادئ التي شكلت في ضوئها اللجنة من قبل منتسبي السلطة القضائية والمتمثلة بالشفافية والحيادية والنزاهة والمهنية الكاملة.
أكد القاضي الحكيمي إلى المسؤوليات والمهمات الجسيمة التي تتحملها اللجنة في السير على الخطوات القانونية الصحيحة خلال هذه الفترة، وأنهم في أتم الجاهزية للقيام بخطوات نوعية تجاه العمل بترسيخ الديموقراطية في أقرب فرصة متاحة.
وأكد رئيس اللجنة العليا للانتخابات والإستفتاء حرص اللجنة على تمكين الهيئات والمنظمات ووسائل الإعلام من المشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية القادمة والقيام بواجبها بالشكل المطلوب وتمكينها من الحصول على المعلومات والبيانات والإحصائيات المتعلقة بالعملية الانتخابية.
من جانبه أوضح رئيس اللجنة الثورية العليا أن “الرقابة على الانتخابات لا تقتصر على الديموقراطيات الناشئة ولكنها تكتسب الأهمية ذاتها في الديموقراطيات العريقة، كما أن تاريخ التجارب الانتخابية يؤكد تلازم عدالة ونزاهة الانتخابات مع وجود رقابة واعية ومستقلة ومتعددة تقوم على شرعية قانونية وحماية شعبية”.
إلى أين؟
لا ريب في أن رسالة حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي قد وصلت للطرف المقابل الذي وجد في هذا اللقاء تعطيلاً لمؤتمر جنيف2، مع العلم أن اللقاء تم بعد تأجيل هادي ورفض السعودية وكذلك إعلان ولد الشيخ تأجيل المحادثات. في الواقع، إن حديث أنصار الله عن إنتخابات يعد تطوراً بارزاً في المشهد اليمني الذي يصرّ أبنائه على حماية وطنهم والدفاع عنه بشتّى الوسائل السلمية والعسكرية.
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو مدى قدرة اليمنيين على إجراء الإنتخابات في ظل العدوان السعودية ووجود ألاف المرتزقة على الأراضي اليمنية، فضلاً عن الأماكن التي من المقرّر أن تشملها الإنتخابات، فهل بالفعل هناك قدرة على إقامة الإنتخابات؟ وما هي دلالات اللقاء؟
قبل الدخول في الإجابة على هذه الأسئلة، يظهر جلياً أن الحديث عن الإنتخابات هو أول ردود الأفعال اليمنية على إفشال الحوار من قبل الرئيس المستقيل هادي، ومن خلفه السعودية. إلا الظروف القائمة في العديد من المحافظات قد لا تسمح بإقامة الإنتخابات بشكل كامل، ولكن هذا لا يعني عدم القدرة على إجراء الإنتخابات كلياً. فعند مراجعة الأزمة السورية، نرى أن الرئيس الأسد أصر على إجراء الإنتخابات رغم الأوضاع الصعبة في البلاد، وبالفعل أرخت نتائج الإنتخابات بظلالها على النظام السوري وحلفائه من ناحية، والعديد من الدول الإقليمية والدولية، وهذا الأمر لن يكون عن اليمن ببعيد.
وأما عند الخوض في الدلالات التي يحملها لقاء الحوثي – الحكيمي، خاصةً أنه يأتي بعد فترة وجيزة على إعلان تأجيل مؤتمر «جنيف2» حول اليمن، تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: إن هذه الخطوة تعتبر مقدمة طبيعية للدخول في المراحل العملية للإنتخابات خاصةً أن الحكيمي هو المسؤول الأول عنها، وبالتالي لا نستبعد في حال إستمرار العدوان أن يتم إجراء الإنتخابات التي ستصبح واقعاً لا مناص منه لدول العدوان في المرحلة اللاحقة.
ثانياً: يكشف هذا الإجراء واقعية أنصار الله في الحديث عن حل سياسي للأزمة مقابل فضح أكاذيب قوى العدوان وأدواتها. إن حديث حركة أنصار الله عن حل سياسي، يبدأ بالإنتخابات، بالتزامن مع إدانة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للسعودية بسبب استهدافها لمستشفى تابع لمنظمة اطباء بلا حدود في صعدة شمالي اليمن، يرسم صورة واضحة بالنسبة لواقع المشهد اليمني، لا بل يكشف للجميع أكاذيب السعودية التي لم تعر أي إهتمام لقوانين الحرب، فضلاً عن إستخدامها مرتزقة أجانب لقتل الشعب اليمني.
ثالثاً: يبدو أن أنصار الله التي أظهرت ليونة كبيره مع المبعوث الأممي خلال الحديث عن المفاوضات في الآونة الأخيرة، لن تدخر جهداً في الحفاظ على الثورة وحماية اليمن من التدخل الخارجي. يبدو أن اللجان الثورية تعتمد مبدأ “الإقتدار الناعم” في السياسة، تماماً كما تعتمده في الميدان.
رابعاً: لا يخلو لقاء رئيس اللجنة الثورية، مع رئيس اللجنة العليا للانتخابات والإستفتاء من خطوة سياسية محنّكة، قد تربك أوراق السعودية وأدواتها، وتفرض عليهم معادلات جديدة تجبرهم للعودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات.
المصدر / الوقت