قراءة في حراك مصر ومواقفها من الأحداث: تموضع جديد على خط إستعادة الدور العربي الفعّال
إختارت مصر لنفسها التمايز في مواقفها وتحركاتها عن باقي الدول العربية، مع إعطاء الاولوية لقضايا الأمة العربية وعدم التطرف في التعاطي مع الملفات والأزمات في المنطقة. فالجمهورية التي لطالما لعبت دوراً محورياً في تلاقي العرب وتقاربهم وخطاً أولاً للدفاع عن قضاياهم في عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر، تسعى لإستعادة هذا الدور مستفيدةً من تطرف وظروف صعبة تعيشها دول كثيرة في المنطقة، ما يجعلها محطّ أنظار الدول العربية والغربية للعب دور الوسيط والمفاوض العربي للمساهمة في حلّ الأزمات ومحاربة الإرهاب.
وبعد مرحلةٍ عصيبة من العزلة والإنغلاق والتطرف عاشتها مصر في عهد الرئيس السابق محمد مرسي بعد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبفضل مواقفها غير المتطرفة من الأحداث المشتعلة في منطقتنا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحاول مصر التموضع من جديد والتحرك ضمن الإطار العربي والدولي لإثبات حضورٍ فعّال وإنفتاح مدروس بدأ يظهر أثره وصداه لدى المجتمع الدولي، ما أهّلها للمشاركة في إجتماع فيينا.
إنّ مصر المُنهكة والساعية لإعادة إنعاش وضعها المأزوم إقتصادياً وعربياً من خلال قبول الصفقات مع أيّ دولة تدعمها عسكرياً وتنموياً، تسعى لإستعادة دور ما على الساحة الإقليمية بعدما فقدت هذا الدور لسنوات بعد الأزمات التي لحقت بها. وموقفها الملفت من الأحداث الجارية في سوريا خاصةً، يثبت في التحليل الأولي أنّ الإدارة المصرية لديها قراءة خاصة للأحداث في المنطقة وما يجري من تحولات في موازين القوى وتنامي النفوذ الروسي فيها. لكن كيف تدعم مصر التدخل العسكري الروسي في سوريا في حين معارضة السعودية ودول خليجية أخرى العلني له، فهل باع السيسي العباءة التي أوصلته للرئاسة؟ أم أنّ لمصر في هذا المرحلة دورٌ إتُّفق عليه للعب دور الوسيط بين إيران والدول الخليجیة؟ أم أنّ السيسي من خلال حراكه يريد ببساطة حجز موقع جديد لمصر في ظل المعادلات الجديدة التي ترسم في المنطقة؟ وأين سيصب موقف مصر في مؤتمر فيينا؟
لا شك أنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي إستطاع إلى حدٍ ما أن ينتشل مصر من الأزمة الأمنية والسياسية الخطرة التي ضربت البلاد، ويرى بعض المحللّين والمصريين أنّ السيسي سوف يعيد الدور المصري إلى عهد الرئيس جمال عبد الناصر من خلال سياساته الذكية والمنفتحة والبعيدة الأفق.
منطلقاً في تحركه من مكانة مصر ودورها الاستراتيجي، وصلتها القوية بملفات المنطقة وقضاياها، فقد نجح الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة لمدينة نيويورك ولقاءاته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ 70 ان يكون الصوت القوي والمؤثر لمصر والمنطقة امام العالم، إلى جانب جهودها في الحرب على الإرهاب وإقامة المشاريع الكبرى التي يرى مراقبون أنها ستحول مصر خلال أعوام قليلة الى دولة تعتمد على اقتصاد قوي وحضور سياسي فعّال.
وتمثل هذه الزيارة وهي الثانية للامم المتحدة منذ انتخابه رئيساً محطة هامة في تاريخ مصر، وتأتي بعد تحقيق العديد من الإنجازات علي المستوي الداخلي والخارجي، كما انها تأتي بعد ان حقق السيسي اهم ما وعد بتحقيقه خلال خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، الأول إجراء الانتخابات البرلمانية والتي تجري خطواتها ومراحلها حالياً في مصر والأمر الثاني افتتاح قناة السويس الجديدة التي اعتبرها هدية من مصر للعالم، ويخوض السيسي معركة مهمة لتثبيت دور مصر العالمي ويعمل من أجل انتزاع عضوية لمصر في مجلس اﻷمن الدولي.
ويرى الكثير من المصريين أنّه كما استطاع الرئيس الراحل عبد الناصر أن يجعل مصر تلعب دوراً كبيراً في تعزيز العلاقات المصرية بالدول الإفريقية وفي المناقشات والمباحثات التى أجريت بين قادة الدول الإفريقية، حتى تم تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية فى عام 1963، إنّ مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة الافريقية باثيوبيا، التي تاتي بعد تجاهل مصر للقاره الافريقية منذ عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك والرئيس المعزول محمد مرسي، كانت فرصة لإعادة دور مصر فى القارة السمراء وكقطب إقليمى مهم.
والحدث البالغ الأهمية بالنسبة لمصر هو دعوتها من قبل المجتمع الدولي والدول العظمى للمشاركة في الاجتماع الوزاري الثاني حول سوريا المقرر عقده في فيينا، بصفتها غير المتطرفة في النزاع والقادرة على إعلاء صوت التقارب والحلّ السياسي والتسوية. وما الجولة الإقليمية المهمة التي يقوم بها الرئيس السيسي إلا في إطار تنسيق المواقف وإستطلاع الأراء والتشاور لتقديم مصر التوجّه والمزاج العربي من الأحداث والأزمات في المنطقة وخاصةً سوريا.
فإنّ مصر تسعى لأن تصيب عدة أهدافٍ بحجر واحد، فمن مصلحة الرئيس السيسي أن يكون عرّاب إستعادة مصر لدورها الإقليمي بعد أفوله لسنوات. والحراك الروسي في سوريا يؤكد إحداث تحولات إستراتيجية تظهر تراجع النفوذ الأمريكي وحلفائه وتنامي الحضور الروسي في المنطقة، فمن الطبيعي أن تحافظ القاهرة في هذه المرحلة علاقات طيبة مع موسكو وتدعم عملياتها العسكرية في سوريا. لكن موقف السعودية من هذا التحول المصري سوف يكون له تداعيات سلبية.
إنّ أبرز ما تتّسم به هذه المرحلة من عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر أن السياسة الخارجية هي أبرز جوانب النجاح التي حققتها حتى الآن، وخلالها تمكن السيسي من إحداث مراجعة شاملة لمحددات الأمن القومي المصري والأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية ومنظومة التحالفات الإقليمية، ويسعى لإعادة مكانة ودور مصر بعد قيامه بعدد كبير من الزيارات إلى دول المنطقة والدول الإفريقية والأوروبية، في ظل تحديات كبيرة سياسية وأمنية تحيط بمصر داخلياً وخارجياً.
فالحضور المصري في إجتماع فيينا سيؤكد على تطور دور مصر وثقة المجتمع الدولي بها كلاعب أساسي على الساحة الإقليمية بعد إيران، بعد أن ضيّعت السعودية وتركيا دورهما الإقليمي الفعّال من خلال الغرق في مستنقع صناعة ودعم الإرهاب. والرئيس السيسي ينظر اليوم بعين المصالح إلى مستقبلٍ يعيد مصر إلى سابق عهدها. والتغيرات التي طرأت على المشهد الإقليمي والدولي دفعت القاهرة للميل كما تميل الرياح الروسية ودعم بقاء نظام الرئيس بشار الأسد.
المصدر / الوقت