فوضى الشرق الأوسط وأثرها على مستقبل القضية الفلسطينية.. حقائق وتداعيات
بعد غزو أمريكا للعراق عام 2003 بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل والتي ثبت كذبها وبطلانها، سعت واشنطن لتنفيذ مشروعها المسمى “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” الرامي إلى تقسيم المنطقة ونهب ثرواتها والتحكم بمصيرها خدمة للكيان الإسرائيلي.
وبعد إندلاع الثورات الشعبية في العديد من دول العالم العربي والتي تمكنت من إسقاط بعض الانظمة الرجعية الموالية لأمريكا وفي مقدمتها نظام الرئيس المصري الأسبق “حسني مبارك” والتونسي “زين العابدين بن علي” حاولت واشنطن وحلفاؤها الغربيون والإقليميون الالتفاف على هذه الثورات لحرفها عن مبادئها وأهدافها، إلى جانب قيامها بدعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة لمهاجمة دول وشعوب المنطقة كما حصل ويحصل في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر.
ومن الأهداف الرئيسية التي سعت أمريكا لتحقيقها من خلال هذه الاجراءات إشغال شعوب المنطقة بالدفاع عن بلدانها وأراضيها وإبعاد محور المقاومة عن القضية الرئيسية المتمثلة بتحرير أرض فلسطين وتطهير القدس الشريف من دنس الكيان الإسرائيلي.
وخلال السنوات القليلة الماضية شهدت المنطقة الكثير من الاعتداءات الوحشية التي نفّذها الكيان الإسرائيلي ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني ولازال الشعب اليمني يدفع ضريبة العدوان السعودي – الامريكي المتواصل على بلاده منذ أكثر من سبعة أشهر ، والتي أدت جميعها إلى استشهاد وجرح الآلاف من الأبرياء وتدمير البنى التحتية لهذه الشعوب في أطار مخطط رهيب يهدف إلى تمرير المشروع الصهيو أمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة عبر إثارة الفتن الطائفية والقومية والترويج للفكر السلفي والتكفيري ودعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة كتنظيم “داعش” الذي إرتكب ويرتكب أبشع الجرائم لتشويه صورة الاسلام بحجة الدعوة لإقامة ما يسمى “دولة الخلافة” المزعومة. وقد إعترف الكثير من المسؤولين الأمريكيين بينهم وزيرة الخارجية السابقة “هيلاري كلينتون” بأنّ بلادهم هي التي أوجدت “داعش” لتنفيذ مشروعها الدموي في الشرق الأوسط.
هذه الاجراءات وغيرها التي تنفذها الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية والإقليمية الحليفة لها والتي أدخلت المنطقة فيما أسمته “كوندوليزا رايس” وزيرة الخارجية في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بـ “الفوضى الخلّاقة” والذي أكده أيضاً نائب الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” تهدف في الواقع إلى تقطيع أوصال المنطقة وتشتيت دولها كي يبقى الكيان الإسرائيلي في مأمن، وبعيداً عن أي خطر، وهو ما ألمح إليه مراراً وبتعابير مختلفة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، مصرّحاً بأن ” أمن إسرائيل خط أحمر، وهو يشكل بالنسبة لواشنطن جزءاً من الأمن القومي الأمريكي . “
من هنا يمكن الاستنتاج أن ما يسمى بـ “أمن إسرائيل” يمثل في الحقيقة أحد أهم الأهداف الاستراتيجية والمحورية التي تسعى واشنطن لتحقيقها ولهذا أدخلت الشرق الأوسط في نفق مظلم من خلال تأجيج الصراعات والنزاعات في المنطقة خدمة للكيان الإسرائيلي الذي ينفذ بدوره ثلاثة سيناريوهات في إطار نفس المخطط. وهذه السيناريوهات تتمثل بالتصدي لحركة “حماس” والمواجهة العسكرية مع حزب الله “لبنان” ومواصلة مفاوضات التسوية مع السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن ما تقوم به الماكنة الاعلامية الضخمة المرتبطة بواشنطن وحلفائها الغربيين والإقليميين لإثارة المخاوف من إيران أو ما يعرف بـ” إيران فوبيا” إنّما يهدف في الواقع إلى حرف الاذهان عن الخطر الحقيقي الذي تمثله إسرائيل، والايحاء بأنّ النزاعات الدائرة في الشرق الأوسط ناجمة عن الخلافات القومية والطائفية بين شعوب هذه المنطقة وليس بين الكيان الإسرائيلي والجماعات الإرهابية وحماتهم الغربيين وعلى رأسهم أمريكا من جهة، وبين محور المقاومة والدول الداعمة له وفي مقدمتها إيران من جهة أخرى.
ولأجل تمرير هذا المخطط سعت الإدارة الامريكية إلى تطبيع العلاقات بين الكيان الإسرائيلي وبعض دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا والسعودية والايعاز إلى الأخيرة بشن العدوان على الشعب اليمني ودعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة لقتل شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعبين العراقي والسوري لأشغالها عن القضية الفلسطينية التي تمثل القضية المركزية والمصيرية لجميع المسلمين في العالم.
يأتي هذا في وقت يواصل فيه الكيان الإسرائيلي انتهاكاته ضد الشعب الفلسطيني وتنفيذ مخططاته لتهويد الأماكن المقدسة وفي مقدمتها القدس الشريف إلى جانب استمراره في بناء المستوطنات لتغيير البنية الديموغرافية في الأراضي المحتلة، مستغلاً صمت المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي حيال هذه الانتهاكات التي ترتكب بدعم واضح ومستمر من أمريكا وتواطئ بعض الدول الغربية والأنظمة الرجعية والعميلة في المنطقة، كي يتمكن الكيان الإسرائيلي من الهيمنة على كافة الأراضي الفلسطينية ومد نفوذه في أراضي الدول المجاورة كما حصل في هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.
المصدر / الوقت