بولندا: أي تداعيات لفوز “القانون والعدالة” في الإنتخابات؟
شهد السنوات الأخيرة صعوداً بارزاً للأحزاب المحافظة في الإتحاد الأوروبي، ما ينذر بتقليص دور برلمان بروكسل الإتحادي، بل يلقي الرعب في اوصال الداعمين للأطروحات الأوروبية.
الحقلة الجديدة في مسلسل تقدّم الاحزاب المناهضة للإتحاد الأوروبي تمثّلت في فوز حزب ‘القانون والعدالة’ الشعبوي المحافظ المناهض لأوروبا بالغالبية المطلقة من مقاعد البرلمان البولندي. الحزب الجديد نجح في حصد 232 مقعدا من اصل 460 في البرلمان، مما سيفضي بجملة من التداعيات على الداخل البولندي والإقليم الأوروبي بشكل عام.
لم يكن فوز حزب ‘القانون والعدالة’ المحافظ بعيداً عن النتائج الإنتخابية في السنوات الماضية داخل الإتحاد الأوروبي، لذلك وقبل الدخول في التداعيات، لابد من رسم صورة واضحة للمشهد الأوروبي المحافظ، والإنطلاق منها نحو الإنتخابات الأخيرة في بولندا وتداعياتها.
مناهضة الإتحاد الأوروبي
أثارت نتائج الإنتخابات البرلمانية في مجمل الدول الثماني والعشرين الأوروبية حالة من الذعر لدى القوى المناهضة، والتي تسعى لتعزيز دور الإتحاد الأوروبي. فرنسياً سجل حزب الجبهة الوطنية ثغرة غير متوقعة في فرنسا وبات التنظيم السياسي الأول في البلاد ما سيقلب مشهد التحالفات السياسية في القارة، كذلك حصل اليمين المتطرف في النمسا على 20% من أصوات الناخبين، وفي الدنمارك تحصل الحزب الشعبي الدانمركي المناهض لأوروبا على المرتبة الأولى، بينما اكتسح الحزب اليساري سيريزا الراديكالي صناديق الاقتراع اليونانية، أما في ألمانيا فقد اصبح حزب النازيين الجدد الالماني للمرة الاولى في تاريخه ممثلا في البرلمان الاوروبي.
أبرز التداعيات
لا تزال العديد من دول أوروبا الوسطى والشرقية، تشعر أنها شريك من الدرجة الثانية في الاتحاد الأوروبي الذي يعد نادياً لأوروبا الغربية، لذلك نرى عدم ثقة متزايد تجاه مؤسسات الاتحاد الأوروبي من هذه الدول، كما أن هذا الشعور المناهض لأوروبا ينخرط فيه حزب القانون والعدالة.
اذاً، بصرف النظر عن التركيبة الحالية للمحافظين في الإتحاد الأوروبي، يحمل نجاح “حزب القانون والعدالة” في طياته جملة من التداعيات، أبرزها:
أولاً: من المتوقع أن يعطي حزب القانون والعدالة الاولوية للمصالح القومية على حساب المصالح الاوروبية، انه يريد اتحادا اقتصاديا اكثر منه سياسيا. في الواقع، يستحوذ الشق الإقتصادي على حصة الأسد في مشروع الحزب المحافظ خاصةً أن الشارع البولندي أعرب عن أمله في أن يساهم التغيير الجديد في المزيد من النمو الاقتصادي والاستقرار.
ثانياً: يعزز فوز بولندا معسكر الدول المناهضة لأوروبا مثل بريطانيا والتي تسعى الى اصلاح الاتحاد الاوروبي، حيث من المتوقّع أن يسعى حزب كاتشينسكي الى تحالفات لإصلاح المعاهدات الاوروبية، عبر شراكة جدّية مع بريطانيا أو عبر الإنضمام الى مجموعة الاحزاب الاوروبية وخصوصا اليمينية منها مثل الجبهة الوطنية في فرنسا.
ثالثاً: لا يخفي ‘القانون والعدالة’ نيته التعويل على تحالفات اقليمية على غرار مجموعة فيسغراد التي تضم بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية تشيكيا، مؤيدا معارضة شركائه لاستقبال اللاجئين والمهاجرين من الشرق الاوسط وافريقيا. في الواقع أثارت الصورة التي تمّ تضخيمها وتشويهها من المجر وسلوفينيا الرعب في صفوف الشارع البولندي الذي بات يرى في وصول المهاجرين طوفانا، لذلك لايريد الغرق في يمّ الهجرة ومخاطر التعددية خاصةً أن لا صلة ثقافية للمهاجرين بالشعب البولندي.
رابعاً: يرى البعض أن الحزب البولندي سيستخدم الاتحاد الاوروبي وفق مصالحه، حيث سبق لحزب القانون والعدالة أن حكم بولندا بين العامين 2005 و2007، وقد عرف بمواقفه المناهضة لألمانيا وروسيا وبعلاقاته المتوترة مع بروكسل، مقر الإتحاد الإوروبي، حول العديد من الملفات.
خامساً: قد نشاهد تقارباً أمريكياً بولندياً غير مسبوق، خاصةً أن الحزب الجديد من المناهضين للإتحاد الأوروبي من جهة، ويرى في روسيا ألدّ الأعداء من جهة آخرى. يوضح أستاذ العلوم السياسية الفرنسي جان إيف كامو أن بلدان الشرق، وهي تنضمّ للاتحاد الأوروبي، كانت تفكّر في منظمة حلف شمال الأطلسي، لانّ التهديد الخارجي الرئيسي بالنسبة لهم هو روسيا، ولحماية أنفسهم، فإنّ مظلة حلف شمال الأطلسي لا غنى عنها. اذاً، بما أن أوروبا لا تمتلك دفاع مشترك، وبولندا لديها نزاع منذ قرون مع روسيا، من المتوقع أن يسعى الحزب الشعبوي إلى أن تتموقع بولندا تحت حماية دولة تملك قوة النيران، والناتو هو هذا المجمّع العسكري الذي تشكل واشنطن حجره الأساس في صنع القرار.
المصدر / الوقت