التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

أسباب وتداعیات السياسة الروسية الجديدة في سوريا 

تدرك روسيا جيداً أن التطورات في تونس ومصر، بدايةٌ للتغيرات السياسية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ويمكن أن تشمل هذه التغييرات مجموعةً واسعةً من التطورات الجيوسياسية والجيوستراتيجية، وتغيّر تماماً البيئة الإقليمية للاعبين.
لهذا السبب أیضاً فإن روسيا وفي الانتقال من “المفاجأة”، و “عدم التوافق”، و “انعدام الشفافية” و”الانفعالیة”، التي كانت من السمات الأولى للسياسة الخارجية الروسیة تجاه التطورات في الشرق الأوسط، تکیّفت تدريجياً مع الوضع الجديد، وتحوّلت من “المراقبة” إلی “اللاعب الناشط”.

وفي هذا الصدد، وضعت روسيا سياسة جديدة تتابع من خلالها ثلاثة نهج هي الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية في وقت واحد:

1.النهج الجيوسياسي: في النهج الجيوسياسي، تحاول روسيا تشکیل تكتل قوة لنفسها في الشرق الأوسط. وبالنظر إلی أن الروس يبحثون عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، فبالتالي یعتبرون إيران وتركيا والسعودية بلداناً هامة في منطقة الشرق الأوسط.

ووفقاً لذلك، فإن مواجهة الأحادية الأمريكية وحیازة الدور الدولي كقوة عالمية، تعتبر من أهم الأهداف الجيوسياسية للسياسة الخارجية الروسية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.

وفي هذا الصدد، سوف تُتبع سياسة زیادة العلاقات الخارجية مع الدول المعارضة للولايات المتحدة في المنطقة (مثل جمهورية إيران الإسلامية وسوريا و …) من جهة، ومن جهة أخرى سيكون على جدول الأعمال إقامة علاقة وثيقة مع الدول التي كانت دائماً جزءاً من شركاء أمريكا (مثل مصر والسعودية والأردن وقطر والخ).

2.النهج الأمني: في النهج الأمني، فإن روسيا قلقةٌ بشأن انتشار الإسلام الراديكالي في القوقاز الشمالیة والجمهوريات المسلمة في هذه المنطقة، وإن خطر انتشار الإرهاب والتطرف الديني ووجود جماعات مثل تنظیم داعش، یمکن أن يثير النزعات الانفصالية لدی بعض الجمهوريات والمناطق مثل الشيشان.

بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا من الناحية الأمنية، قلقةٌ للغاية بشأن انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ولهذا السبب أیضاً تقوم موسكو وبطرق مختلفة بالتصدي لانتشار التطرف الإسلامي، وخاصةً الوهابية والسلفية.

3. النهج الاقتصادي: في الجوانب الاقتصادیة، بما أن روسيا هي واحدة من الدول المصدرة للنفط والغاز، فلذلك لها بعض التحفظات علی الدول الخليجية، وفي بعض الحالات تنظر إلیها کمنافسين أيضاً.

علاوة على ذلك، روسيا وفي كثير من الحالات تضطر إلى التعاون والتنسيق مع أكبر منتجي الطاقة في المنطقة أیضاً، وذلك للسيطرة على السوق والأسعار. من ناحية أخرى، فإن توسيع العلاقات الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط، خصوصاً في قطاع الطاقة وتصدیر الأسلحة والمعدات الحربیة، یلعب دوراً هاماً في المقاربة الاقتصادية الروسية تجاه الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد، تعتزم روسيا أن تستفید من زيادة قوتها الاقتصادية وتراجع نفوذ الولايات المتحدة في دول العالم، وتتولی دوراً رئيسياً في القطاعات الحيوية لاقتصاد بلدان غرب آسيا وشمال أفريقيا.

نظراً إلى ما سبق، وکذلك أسباب زيادة الوجود العسكري الروسي في سوريا، فمن المرجح أن هذا الأمر سيكون له تداعیات في المستقبل، منها:

1. تغيير ميزان القوى لصالح الحكومة السورية؛

2. إضعاف الجماعات الإرهابية؛

3. إضعاف إمكانية تنفيذ المنطقة العازلة ومنطقة حظر الطيران؛

4. حثّ الغرب على تغيير موقفه تجاه مستقبل سوريا وبشار الأسد شخصیاً؛

5. زيادة معنويات الجيش والشعب السوري في مواجهة الإرهابيين؛

6. تشجيع المعارضة غير المسلحة على المصالحة السياسية مع الحكومة.

وبشكل عام يجب أن لا ننسى أن روسيا سوف لن تتخلی أبداً عن حلمها في إحياء نفوذها في الشرق الأوسط. فروسيا تحاول إحلال السلام في المنطقة، ونظراً إلی أنها قريبةٌ جداً من الناحیة الجغرافية من منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي، فيمكنها من خلال زيادة التعاون، أن توفّر مصالحها وأمنها القومي من جهة، وأن تتحول من جهة أخرى إلی فاعل قوي ونافذ في الشرق الأوسط.

لا سيما أن روسيا حالياً وبالمقارنة مع حقبة الحرب الباردة، قادرةٌ علی لعب دور بناء ومحقِّق للتوازن علی درجة کبیرة من الأهمیة، على النقيض مع مشروع الشرق الأوسط الكبير لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق