أردوغان ينتصر، لتنتصر معه سياسة الترهيب في الداخل والمصالح في الخارج
استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يعود ليُكرِّس نفسه كالرجل الأقوى في تركيا، بغض النظر عن الأسباب التي أوصلته لذلك. فالحديث يدور اليوم حول النتائج، طالماً أن الكلام في الأسباب لم يعد مجدياً. فبينما يقول البعض أن أردوغان نجح في سياسة الترهيب التي استخدمها لخمسة أشهر، أشار آخرون الى أن الأتراك أثبتوا أنهم يريدون أردوغان كرئيس. وبين التحليلين المختلفين، يتفق الجميع على أن المستقبل التركي تُحيط به العديد من المخاطر. فكيف يمكن أن تنعكس نتائج الإنتخابات على الداخل التركي؟ وما هو أثرها على السياسة الخارجية؟
نتائج الإنتخابات وأثرها الداخلي:
لا شك أن قراءة النتائج وتحليلها فيما يخص الداخل التركي، يأخذ بعين الإعتبار المشاكل التي قد تواجه أردوغان، في العديد من الملفات لاسيما الأمنية والسياسية. وهنا نشير للتالي:
– إن الأمل بإحداث تغيير في سياسات أردوغان القمعية بحق الصحافة والمعارضين له، معدوم. فالرجل الذي رفض الشعور بالضعف عندما خسر في الإنتخابات السابقة، سيتعاطى اليوم بقوةٍ أكبر بعد أن أتت النتائج لتصب في صالحه وبقوة. وهو ما سيدفعه للسعي من أجل إعداد دستور جديد يتوافق مع ميوله، للوصول الى نظام رئاسي.
– وهنا فيعتبر الكثير من المحللون أن هذا لا يصب في مصلحة الشعب التركي. فأردوغان سيمضي قدماً في سياساته الصارمة تجاه المعارضة لا سيما الأكراد، معتبراً نفسه الأقوى هذه المرة. إذ لا يجب تجاهل المنطلق الذي ينطلق به الرجل الطامح للسلطنة، في تعامله مع الأفرقاء السياسيين. وهو ما سينعكس على سياسته الداخلية، والتي قد يترجمها حرباً شرسة مع حزب العمال الكردستاني الذي أعلنه أردوغان خصماً يلامس حدود العدو. مما يهدد البلاد بمشاكل داخلية ستلحق أثراً فيما يخص الشأن الأمني. فيما يُشير بعض المحللين الى أن خيار التوجه للتفاوض مع الأكراد، هو من الأمور الضعيفة الإحتمال، نتيجة حاجة أردوغان لأصوات تؤيد مشاريعه في الداخل. في حين يمكن قبول هذا الإحتمال مع الحركة القومية، والتي يبدو أنه كان لها الأثر الكبير في مجرى نتائج الإنتخابات.
على صعيد السياسة الخارجية:
كما أن أردوغان سيتعاطى من منطلق القوة في الداخل التركي، فإنه وبعد نتائج الإنتخابات التي كرسته زعيماً على البلاد، فسيعود لحياكة سياسته الخارجية، من نفس المنطلق. لكن هذه السياسة لن تكون جديدةً في مبادئها، بل ستكمل في نفس السياق الذي بدأت به. وهنا نشير للتالي:
– سيدفع انتصار حزب العدالة والتنمية أردوغان من أجل تقديم نفسه كزعيمٍ قويٍ إقليمي لا يمكن الإستغناء عن دوره في قضايا المنطقة. لكن ذلك لا يعني أن اعتبار الدول الإقليمية والكبرى لأردوغان سيزيد، نتيجة أن مكانته الخارجية ضعيفة واقعياً. فسياسته الجامحة في دعم الإرهاب، والبراغماتية مع الجميع حتى الغرب، توجد العديد من العوائق بين الرجل الطامح لإثبات مكانته، وبين الدول التي تضع مصالحها أولاً.
– لكن سياسة أردوغان المعهودة والتي تقوم على الإستغلال في جوهرها، قد تدفعه للمضي قدماً في إبراز ورقة اللاجئين السوريين من أجل كسب ود الإتحاد الأوروبي. وهو ما كان قد بدأ به من خلال العمل مع دولٍ أوروبية لشراء بقاء اللاجئين السوريين بالدعم المالي.
– أما فيما يخص علاقاته الإقيمية، فإن علاقته المتوترة مع طهران فلن تتبدل، على الرغم من وجود إحترامٍ متبادل بين البلدين. وهذا ما يحاول أردوغان الحفاظ عليه إدراكاً منه لمكانة طهران. بينما تستمر علاقته الطبيعية بمصر، فيما يبدو أن علاقته بالإرهابيين في سوريا ستزداد لتصبح حميميةً أكثر. في وقت يمكن أن تمضي قدماً محاولاته الحثيثة للتقارب مع السعودية وقطر، للدفع تجاه توحيد السياسة فيما يخص ملفات المنطقة الشائكة والعديدة خصوصاً ضد محور المقاومة.
باختصار، يمكن القول إن انتصار أردوغان الداخلي نتيجة نجاح سياسة الترهيب التي اعتمدها، ستكون بداية الطريق لأزمات أخرى، ستُبيِّن نتيجة الفجوة الواقعية بين الخيار التركي الحقيقي والواقع السياسي. أما على الصعيد الخارجي فإن أردوغان سيبقى كما هو رجل المصالح الذي لن يرتق يوماً لمستوى الزعيم الإقليمي الفاعل. فأردوغان يمكن أن يحكم كديكتاتورٍ في الداخل، لكنه لا يستطيع اللعب في نادي الكبار الإقليميين والدوليين دون إحترام شروط اللعبة. فعلى الرغم من فوزه فإن الأيام المقبلة تحدد مسارات الأمور.
المصدر / الوقت