معركة حلب؛ التداعیات و المآلات
بالتزامن مع العملية العسكرية التي يشنّها الجيش السوري ضد الجماعات الإرهابية المسلحة في مدينة حلب، عاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليؤكد عزم بلاده على ارسال العشرات من القوات الخاصة الأميركية الى شمال سوريا لتقديم المشورة للجماعات المسلحة.
يأتي تأكيد الرئيس أوباما على مزاعم البيت الأبيض حول القرار الأمريكي بمشاركة حوالي 50 جندي من القوات الخاصة في شمال سوريا، بعد أيام على تعهّد واشنطن في فيينا بضرورة هزيمة الجماعات الإرهابية في سوريا، وتسارع الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب، ليفضح الإدعاءات الأمريكية ويؤكد ما أوضحه قائد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله السيد علي الخامنئي مؤخراً بأن “أمريكا ونظراً لما تعتقده بشأن مكانتها الدولية تحاول تحقيق 60 الى 70 بالمئة منها في المفاوضات بشأن قضايا المنطقة وتسعى لتحقيق باقي الاهداف بشكل غير قانوني.
المشروع الأمريكي الجديد والذي جاء بعد فشل مشروع الصحوات السورية، يتزامن والضربات الروسية التي إستهدفت حوالي 2000 هدف للجماعات الإرهابية في سوريا، فضلاً عن إعلان المتحدث باسم القوات الفضائية الجوية الروسية إيغور كليموف أن قاذفة “سو-24” ألقت أمس الثلاثاء قنبلتين خارقتين للخرسانة بوزن نصف طن على معاقل تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، ليكشف من جديد زيف كافّة الإدعاءات الأمريكية تجاه المنطقة.
كذلك يأتي تأكيد الرئيس الأمريكي على تصريح البيت الأبيض قبل أيام حول الحضور العسكري في سوريا، بعد مهاجمة رئيسة السلطة التشريعية العليا الروسية، امريكا لإعتزام الأخيرة إرسال قوات برية إلى سوريا ، معتبرة هذه المشاركة غير جائزة لأنها بدون طلب من “الحكومة السورية ، وبالتزامن مع المساعي الدبلوماسية التي يبذلها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي متستورا، لإطلاق الحوار بين الحكومة السورية والمعارضة.
لا ينحصر النفاق الأمريكي بذلك، بل إن المعلومات الميدانية أفادت أن الطائرات المسيرة التي اسقطها الجيش السوري مؤخرا تبين انها امريكية الصنع ومزودة بقبع متفجر يبلغ وزنه مع الطائرة حوالي 2،5 كغ ، فهل ستعسى أمريكا للحد من التقدم السوري في حلب عبر حضورها العسكري المحدود شمال البلاد، خاصةً أن المصادر الميدانية تؤكد حتى كتابة هذه السطور أن الجيش السوري أصبح على بعد كيلومترين من مطار كويرس العسكري المحاصر بعدما أحرز تقدماً كبيراً في قرية الشيخ أحمد شرق حلب؟ أم أنها ستلبي نداءات استغاثة التي تطلقها المجموعات المسلحة في ريف حلب الجنوبي لباقي الفصائل المسلحة لمؤازرتها؟
اذاً، يمكننا ومن خلال قراءة ميدانية معمّقة للوضع السوري الراهن إستخلاص جملة من العبر حول المشهد السوري الراهن، أبرزها:
أولاً: لم تكن واشنطن لتدعو إلى إجتماع فيينا لولا التنسيق السوري-الإيراني-الروسي، وهذا بالفعل ما أجبر أمريكا على دعوة إيران لأن غياب الأخيرة سيفضي إلى إجتماع عقيم. ومن هذه النقطة يمكننا التأكيد على أن هدف واشنطن الرئيسي هو تأمين مصالحها في سوريا، فرغم إعتراض الرياض على الحضور الإيراني، إلا أن أمريكا أصرت على ذلك نظراً لمصالها في سوريا.
ثانياً: تكشف تفاصيل المشهد الجديد خشية واشنطن من تدمير مشروعها بالكامل في سوريا مؤخراً، وهو ما قد يدفع بالبيت الأبيض للتدخل المباشر عبر غرف العمليات لوقف تقدّم الجيش السوري على حساب الجماعات الإرهابية.
ثالثاً: لا تعر أمريكا أي إهتمام لإلتزاماتها سواء في فيينا أو قبل أو بعدها، وهو ما دفع بها للحديث عن الحضور العسكري رغم تأكيد البيان الختامي على ضرورة ضرب الجماعات الإرهابية.
رابعا: لن تتوان أمريكا عن التنازل عن أدواتها الميدانية (داعش وأخواتها) في حال نجحت بتحقيق أهدافها عبر المفاوضات. المفاوضات هي العنوان الأبرز في المرحلة اللاحقة بسبب التدخل الروسي الذي أربك المخططات الأمريكية.
خامساً: ربّما نشاهد تنسيق أمريكي-تركي جديد بعد فوز أردوغان بالأغلبية المطلقة في الإنتخابات الأخيرة في سبيل دعم الجماعات المسلحة في الشمال السوري لتحقيق أهداف أنقرة وواشنطن في مواجهة دمشق وطهران وموسكو.
يبدو أن واشنطن وبعد فشلها في إسقاط الرئيس الأسد عسكريا، ستلجئ إلى مبدأ باريتو أو ما يعرف أيضا بقاعدة 80 – 20، أي الحصول على 80 بالمئة من الأهداف عبر المفاوضات، والعشرين الباقية بطرقها غير المشروعة، إلا أن الكلمة الفصل ستبقى للميدان.
المصدر / الوقت