الوضع الوخيم للاجئين في دول الاتحاد الأوروبي.. حقائق ودلالات
بعد اشتداد أزمة اللاجئين في الدول الأوروبية طفحت على الصفح حقائق عدّة ذات معطيات ودلالات تبين هشاشة السلوك اللاحضاري الذي إنتهجته بعض الدول الأوروبية حيال هذه الأزمة رغم مزاعمها بأحترام حرية وكرامة الانسان وضرورة الدفاع عن حقوقه التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين والأعراف الدولية.
ومن الحقائق المهمة التي أفرزتها هذه المأساة الانسانية التي نجمت في الحقيقة عن الحروب والنزاعات التي أشعلتها أمريكا والدول الغربية الحليفة لها ودعمهم للجماعات الارهابية لتنفيذ عمليات اجرامية بدعم مالي وتسليحي ولوجستي من بعض الدول الاقليمية وفي مقدمتها قطر وتركيا والسعودية كما يحصل الآن في العراق وسوريا والتي أدت الى نزوح مئات الآلاف من الناس وتوجههم نحو أراضي عدد من الدول الأوروبية، يمكن الاشارة إلى ما يلي:
تخللت حالات النزوح هذه الكثير من الحوادث المأساوية والأليمة بينها غرق آلاف النازحين نتيجة استغلالهم وخداعهم من قبل السماسرة الذين نقلوهم عبر البحار والامواج العاتية وحشروهم بزوارق قديمة ومتهالكة بأعداد تفوق طاقتها الاستيعابية بمرات.
ورغم منح العديد من الدول الأوروبية حق الدخول الى كثير من اللاجئين طبقاً لدساتير هذه الدول والمعاهدات الدولية التي تفرض استقبال اللاجئين وإيوائهم وتقديم الخدمات اللائقة بهم لدواعٍ انسانية وقانونية بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والقومية والدينية.
وخلال هذه الفترة واجه الكثير من اللاجئين سلوكيات غير انسانية وغير قانونية من قبل العديد من الحكومات الأوروبية وأجهزتها الأمنية بينها الضرب والاعتقال والاهمال الصحي والغذائي أو إسكانهم في أماكن لا تليق حتى بالحيوانات التي توليها الكثير من هذه الحكومات اهتماماً يفوق إهتمامها بالبشر من دول أخرى. وهذه التصرفات الهمجية واللانسانية تناقلتها جميع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ونشرت صورها وأفلامها على صفحات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والتي فضحت المزاعم الكاذبة والمزيفة لهذه الدول التي إضطر اللاجئون الى التوجه اليها بحثاً عن مكان يحفظ لهم كرامتهم ضمن القوانين الانسانية الدولية وليس وفق مزاجات الدوائر الأمنية التي تهين اللاجئين بحجة وجود بعض المخربين في صفوفهم أو ما شابه ذلك.
ووصل الأمر ببعض الحكومات الأوروبية أن سمحت لأجهزتها الأمنية بإلقاء القنابل المسيلة للدموع أو المهيجة للاعصاب ورذاذ الفلفل على اللاجئين لإجبارهم على الرضوخ لإجراءاتها بحجة حفظ الأمن والنظام.
واضطرت الأمم المتحدة والكثير من المنظمات الانسانية والحقوقية العالمية لإصدار بيانات إدانة بأشد العبارات ضد الحكومات الأوروبية التي أهانت اللاجئين وفرضت عليهم ظروفاً إنسانية قاسية. وقامت بعض البلدان الأوروبية بإغلاق حدودها بوجه اللاجئين وإرغامهم على التوجه الى دول أخرى ضاربة عرض الحائط جميع القوانين والأعراف الدولية التي تؤكد ضرورة إيواء اللاجئين وإحترامهم وتوفير الأجواء المناسبة التي تحفظ كرامتهم وحقوقهم.
ورغم هذه الدعوات والنداءات والإدانات لازالت بعض الدول الأوروبية ترفض إيواء اللاجئين وتجبرهم على مغادرة أراضيها بحجج غير قانونية وأساليب لا تمت للإنسانية بصلة لا من قريب ولا من بعيد. ووصل الأمر ببعض الحكومات الى زج العديد من اللاجئين في السجون ومعاملتهم بإزدراء وإهانة والتي فضحت زيف هذه الحكومات وإدعاءاتها الفارغة بإحترام حقوق الانسان والدفاع عن كرامته وحقوقه.
ومن ينظر الى مشاهد البكاء والاستغاثة التي يطلقها الكثير من اللاجئين وخصوصاً من النساء والأطفال يدرك الى أي مدى وصل الإستهتار بكرامة الانسان والاستهانة بمقدراته ومحاولة إبتزازه لتحقيق مآرب دنيئة في دول يفترض بحكوماتها أن تحترم اللاجئين خصوصاً أن الكثير من مواطني هذه الدول قد إضطروا في فترات زمنية سابقة الى اللجوء الى دول أخرى بسبب الظروف الصعبة التي عاشتها بلدانهم نتيجة الحروب أو الكوارث الطبيعية كالفيضانات والأعاصير وغيرها.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: الى متى تبقى كرامة الانسان مهانة وحياته مهددة بشتى أنواع المخاطر سواء في بلده أو البلدان الأخرى التي يضطر للنزوح إليها نتيجة النزاعات والتهديدات الأمنية التي أوجدتها أمريكا – في إطار مشروعها المسمى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد – والدول الغربية الحليفة لها بالتعاون مع بعض الدول الاقليمية من خلال دعمها لأنظمة عميلة ولجماعات إرهابية تمارس القتل وشتى أنواع الجرائم وبطرق وحشية لاتخطر على بال بشر سوي لتحقيق أهداف مشؤومة تهدد حاضر ومستقبل الشعوب وتزعزع الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي.
نعتقد أن الإجابة الشافية عن هذا التساؤل ستبقى حائرة ولن تجد الشعوب ضالتها في تحقيق الأمن والاستقرار في بلدانها وعموم المنطقة والعالم ما لم تقطّع أوصال الأخطبوط الدموي المتمثل بالمشروع الصهيوأمريكي الذي يتآمر على البشرية ويمد أذرعه في مختلف أرجاء العالم للعبث بمقدرات الدول ونهب ثرواتها واللعب بمصائرها والذي تدفع الشعوب البريئة والمسالمة فواتيره في كل يوم وفي كل ساعة دون ذنب إقترفته سوى تطلعها للعيش بعزة وحرية وكرامة واستثمار خيراتها وطاقاتها وقدراتها لتطوير مجتمعاتها بعيداً عن أي تدخل أجنبي.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق