أمريكا وبدعة الاطاحة بالانظمة المنتخبة.. ماذا عن الديكتاتوريات الوراثية؟
تشهد منطقتنا منذ عدة أعوام مخططات جديدة تديرها أمريكا وعدد من دول المنطقة التي تسير في فلك سياسات هذه الدولة. وفي الواقع يمكن اطلاق مسمی «البدعة» علی هذه المخططات. لكن علی مايبدو فان هذه البدعة الامريكية الجديدة باتت تختلف عما كانت تسعی الیه قبل هذا واشنطن. حيث سمعنا خلال السنوات الاخيرة مصطلح «الفوضی الخلاقة» من قبل أمريكا وكانت ولاتزال تبحث من ورائها، الی احداث الفوضی العارمة في تلك الدول المستهدفة، من أجل اضعاف واجبار تلك الدول علی التسليم أمام السياسة الأمريكية. لكن هذه السياسة الجديدة الامريكية التي اطلق علیها البعض مسمی البدعة، فهي علی مايبدو تختلف كليا عن سياسة الفوضی الخلاقة الامريكية. بحيث اننا نری الیوم واشنطن تحاول من خلال هذه البدعة إزاحة الانظمة المستقلة وغير المستسلمة للإرادة الامريكية، وذلك من خلال التعاون الأمريكي مع الحلفاء الاقليميين لواشنطن واحداث أزمة داخلية عارمة في الدول المستهدفة، مثل ما يحدث اليوم في سوريا. إذن ماذا ستكون نتيجة البدع الامريكية الجديدة ضد دول المنطقة وشعوبها وهل يجوز الرضوخ أمام هذه البدع، أم يجب محاربتها وافشالها؟.
الجمیع یعلم كيف أسست أمريكا وبالتحالف مع قطر والسعودية وتركيا، للازمة السورية، خلال الاعوام الخمسة الماضية لغرض اسقاط نظام الرئيس «بشار الاسد» باعتباره حلقة مهمة في محور المقاومة والممانعة. هذه الاحداث التي شهدتها سوريا خلال ما يقارب الخمسة أعوام الماضية، هي البدعة الأمريكية التي تحدثنا عنها في بداية الحديث. حيث ليست سوريا لوحدها هي من كانت ولا تزال مختبرا للبدع الامريكية خلال هذه الفترة، بل أن هنالك الكثير من الدول الاخری أيضا مثل العراق، واجهت نفس هذه السياسة من قبل واشنطن. حيث أن كلی هذين البلدين ونعني سوريا والعراق، لم يوافقا علی أن يكونا مطية للإرادة الامريكية. هذه المحاولة من قبل دمشق وبغداد، لحفظ استقلالهما أمام واشنطن، أدت الی مؤامرة كونية علیهما من قبل الامريكيين. بحيث سعت واشنطن خلال الفترة الماضية الی التخلص من النظام السوري وكذلك العراقي (بقيادة الاسد ونوري المالكي)، من خلال خلق تنظيمات ارهابية داخل سوريا والعراق، حتی اضحينا علی ولادة داعش علی يد الإستخبارات الامريكية وبالتعاون مع المخابرات العربية الرجعية والإسرائيلية.
وبعد ما دمر الامريكييون البنی التحتیة في سوريا والعراق بواسطة الإرهاب، صارت واشنطن تطرح إزاحة الرئيس السوري «بشار الاسد» عبر الضغط علیه، متناسية عملية الإنتخابات الديمقراطية التي اوصلته الی الرئاسة. الیوم بدءت أمريكا وحلفائها من الدول العربية بالاضافة الی تركيا، تركز جميع ضغوطها علی الأسد لتنحيته من السلطة بعد ما بقي نظامه مستقرا، بفضل المقاومة الرائعة والبطولية التي صدرت عن الشعب السوري وحلفاء سوريا.
علینا الیوم أن نسأل قطر والسعودية، من فوضهم لإزاحة الرئيس السوري، لياتوا بشخص غير منتخب لتنصيبه مكانه وهل أن النظام السعودي والقطري اللذان يعرقلان الحلول السلمية لانهاء الأزمة السورية، هم منتخبون من قبل شعوبهم؟ بالطبع لا، فان نظام الحكم في هاتين الدولتين مبتني علی الديكتاتورية الوراثية. إذن فان بدعة إزاحة الرؤساء المنتخبون من قبل شعوبهم، وتنحيتهم قسريا، فإنها سابقة خطيرة، خاصة إذا ما نجحت في سوريا وتم عزل الأسد عبرها. ولهذا يجب إفشال بدع هذه الدول، خاصة أمريكا وتركيا وقطر والسعودية، التي تهدف الی إزاحة الاسد، وعدم السماح لها بالنجاح، لأن ذلك سيؤدي في المستقبل الی تكرار هذه البدعة الخطيرة في دول أخری، من المحتمل أن تكون إيران والعراق وتركيا، ضمن قائمة الدول المستهدفة لاحقا.
وفي هذا السياق علینا ايضا أن نسأل «اردوغان» باعتباره عرّاب الدعوة لإزاحة الاسد، ما هي الضمانات، أن لا تكرر أمريكا هذه السياسة لازاحتك انت ایه الرئيس التركي (ونقصد رجب طيب اردوغان) في المستقبل؟ من خلال تحريك المعارضة ضده، خاصة أن صناديق الإنتخابات أوضحت خلال الايام الماضية، أن ما يقارب الـ 50 في المئة من الشعب التركي يرفض سياسات اردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه هو شخصيا. كما يمكن لواشنطن أن تدعم حزب العمال الكردساتي المعارض التركي بمزيدا من المال والسلاح، وبعد ذلك تجعله يشترط تنحية الرئيس اردوغان حتی يتوقف عن تصرفاته ضد تركيا، فعندها هل يجب علی اردوغان الاعتزال، أم أنه سيتمسك بمنصبه باعتباره رئيسا منتخبا للبلاد؟.
بالنسبة لروسيا وإيران والعراق وسوريا والمقاومة في لبنان التي يقودها حزب الله، اللعبة الأمريكية ضد شعوب المنطقة، باتت واضحة كوضوح الشمس، بالاضافة الی ذلك فان هذه الجهات تعرف مسبقا وبشكل جيد، ما هي التبعات المستقبلية التي ستترتب في هذه الدول إذا ما تمكنت واشنطن من إنجاح بدعتها في سوريا. ولهذا فان جميع هذه الجهات وبتنسيق تام مع بعضها البعض، تسعی الی إفشال بدعة إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عبر الضغوط الامريكية. لكن من المؤسف أن السيد اردوغان لازال في سبات عميق ولم يفهم ما يطبخ له ولتركيا ولدول المنطقة في المطبخ الامريكي علی نار هادئة، لهذا فانه يدعو الیوم لتنحية الرئيس السوري المنتخب من قبل فئة كبيرة من الشعب السوري.
واخيرا لم يبقی لنا سوی التذكير بان علی شعوب المنطقة مواجهة البدعة الامريكية المتمثلة في إزاحة الرؤساء المنتخبون ودعم الديكتاتوريات الوراثية والانظمة الملكية. لان هذه البدعة الامريكية تستهدف صلب إرادة شعوب المنطقة. وعلی الامريكيين إن كانوا حقا يدعمون تطلعات شعوب المنطقة، الضغط علی الانظمة الديكتاتورية الجاثمة علی صدر الشعب البحريني والسعودي والقطري، والتي تستمر منفردة بالسلطة منذ مئات السنين، دون أن يوجد في قاموسها معنی لصندوق الإنتخابات.
المصدر / الوقت