هل أصبح الإرهاب في الجو سياسة أعداء موسكو بعد أن فشل على الأرض؟
يعيش العالم اليوم صراعاتٍ أصبحت تأخذ بمسارها صعوبةً في تحليلها. وهو الأمر الذي يمكن اليوم إطلاق وصفه على الحوادث التي تحصل في العالم، لتكون طبيعيةً في مظهرها بعيدةً عن المسؤول المباشر. في حين لم يعد بالإمكان الحصول على المعلومات التي يمكن أن تدعم التحليل لكثرة العقد وتداخل المصالح. وهذا ما يجده المحللون أمامهم اليوم في ما يخص مسألة سقوط الطائرتين الروسيتين منذ أيام. فعلى الرغم من أن موسكو نفت فرضية العطل الفني، سارعت الدول الغربية في مسألةٍ تطرح العديد من علامات الإستفهام لتأكيد العمل الإرهابي. وبين الفرضيتين يقف الشعب الروسي محتاراً، ينتظر نتائج التحقيقات على الرغم من إيمانه بأن ذلك لن يُعيد له من فقدهم. فكيف يمكن تحليل سقوط الطائرتين الروسيتين؟
في وقت ما زال الجدل فيه حول ملابسات تحطم طائرة “إيرباص” الروسية فوق صحراء سيناء السبت الماضي، تحطمت في جنوب السودان الأربعاء، طائرة روسية من طراز “انتونوف” في ظروف غامضة أيضاً . وهو الأمر الذي أدى لمصرع أربعين ممن كانوا على الطائرة، بعد أن فقدت روسيا 224 فرداً في حادث الطائرة السابقة.
وبين الفرضيات الموجودة والتي لا يمكن حتى الآن إثبات أيٍ منها، يضع المحللون طاقاتهم من أجل الوصول لأفضل الممكن. ولعل نفي موسكو لفرضية العطل الفني، يجعلنا نستبعدها من التحليل. وهنا نقول التالي:
– إن حدث سقوط الطائرتين يميل لأن يكون غير طبيعي. وذلك للعديد من الأسباب التي سنتداولها تالياً. فعلى الرغم من أن سقوط الطائرة أمرٌ قد يحدث لكن غالباً ما يكون حدوثه طبيعياً في حالات وجود طقسٍ عاصفٍ أو أجواء طبيعية معينة تُعيق عمل الطائرة وهو ما يعلم به المختصون. مما يجعلنا نستبعد الحدث الطبيعي الى جانب استبعادنا للأسباب الفنية التي نفاها المهنيون المعنيون في روسيا.
– لكن مقولة العمل المُدبر والذي يمكن وصفه بالإرهابي تأخذنا الى العديد من الفرضيات والتي يمكن وضعها في إطار استهداف الدور الروسي عبر إستهداف الشعب الروسي الذي يعتبر نقطة ضعف دولته، وهو أمرٌ طبيعي بالتوصيف.
– وهنا نُشير الى أن فرضية العمل المدبر، لا يهم فيها المُنفذ أي الطرف الإجرائي، بل يُعتبر المخطط هو المهم. ولأن لموسكو كدولةٍ تتميز بدورها المتعاظم في المنطقة، فيُعتبر الغرب بأسره الى جانب الكيان الصهيوني والدول العربية المعارضة لموسكو في المنطقة، جهةً واحدةً يجمعها العداء المشترك لروسيا. وهو ما يمكن ملاحظته من خلال الإصطفاف الحاصل اليوم.
– ولأن هذه الأطراف بأسرها لا سيما واشنطن تُدرك حجم التكلفة في العداء لموسكو بطريقةٍ مباشرة، فقد يكون احتمال التوجه لهكذا أعمال على الرغم من أنه مخاطرةٌ غير محسوبة، أمراً منطقياً. في حين لا يمكن تأكيد ذلك بالقرائن المعلوماتية لأن العمل المُدبر اليوم لا سيما الإستخباراتي يقوم على التنفيذ الدقيق الذي لا يترك أي أثر.
– ولعل الهدف الأساسي من وراء ذلك، الضغط على روسيا داخلياً بعد أن فشلت الضغوطات الخارجية لا سيما السياسة الأمريكية الدولية أو الأوروبية المحيطة بموسكو. لكن هذا الضغط لا يبدو أنه قد ينفع مع شعبٍ يؤمن بسياسات دولته ودورها التاريخي، مما يدفعه للإلتفاف حول رئيسه بوتين.
– كما أن الشعب الروسي يُدرك جيداً أن الحرب الإستباقية التي تشنها دولته على الإرهاب، هي الطريقة الوحيدة لمنع تغلغل الإرهابيين الى الداخل الروسي. ليكون محاربتهم في دمشق وحلب أفضل من ملاحقتهم في موسكو أو بطرسبرغ.
إن الصراع المُعقد في المنطقة يُصعِّب عملية تحليل الأحداث وإطلاق التهم وتحديد المسؤوليات. لكن التاريخ الذي تتصف به سياسة الغرب لا سيما واشنطن، لا يستبعد فرضية الدخول عبر الإرهاب ولو كان عبر الجو هذه المرة. في حين لن يكون لهذه السياسات لو أثبتت الأيام صحتها، إلا تأجيج الصراع في المنطقة. فروسيا ليست دولة مغلولة الأيدي، بل لديها طاقاتٌ تؤهلها الوصول لأي هدفٍ ساعة تشاء. لكن الأسئلة الكثيرة التي تطرح نفسها اليوم، تتعلق بأنه هل دخلت المنطقة مرحلة الحروب التي لا تراعي قواعد الإشتباك؟ وهل يمكن أن يُصبح تنظيم داعش يداً لواشنطن و تل أبيب في الجو بعد أن كان يدهم في البر؟ وهل يعرف المخططون أن هذه الصراعات سترتد عليهم وتؤلمهم في ديارهم؟.
المصدر / الوقت