التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

أردوغان بين الدين والسياسة وكرة القدم 

بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً في تركيا عادت الأضواء تسلط من جديد على شخصية مؤسس الحزب رجب طيب أردوغان ومدى تأثيرها على مجريات الأحداث والتغييرات المحتملة التي ستشهدها البلاد في المستقبل على الصعيدين الاقليمي والدولي.
ومن الاسئلة التي عادت الى الواجهة من جديد تلك التي تتعلق بشخصية أردوغان والطريقة التي حكم بها البلاد عندما كان رئيساً للوزراء (منذ مارس ٢٠٠٣ حتى أغسطس ٢٠١٤) أو بعدما استلم منصب رئاسة الجمهورية (منذ ٢٨ أغسطس ٢٠١٤ وحتى الآن).

نبذة عن حياة أردوغان
ولد رجب طيب أردوغان في ٢٦ فبراير/شباط ١٩٥٤ في أحد الأحياء الشعبية بمدينة إسطنبول. وكان لاعب كرة قدم شبه محترف بين عامي ١٩٦٩ – ١٩٨٢ قبل أن يتم انتخابه عمدة لبلدية إسطنبول بين عامي ١٩٩٤ و ١٩٩٨ من قبل حزب الرفاه الإسلامي.
وتعود أصول أردوغان إلى مدينة طرابزون، وأمضى طفولته في محافظة ريزة على البحر الأسود ثم عاد إلى إسطنبول وعمره ١٣ عاماً. ونشأ في أسرة فقيرة حيث قال في مناظرة تلفزيونية مع (دنيز بايكال) رئيس الحزب الجمهوري ما نصه: “لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في مرحلتي الابتدائية والإعدادية؛ كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي؛ فقد كان والدي فقيراً”.
ودرس أردوغان في مدارس “إمام خطيب” الدينية، ثم تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة مرمرة. وانضم إلى (حزب الخلاص الوطني) بقيادة نجم الدين أربكان في نهاية السبعينات، لكن مع الانقلاب العسكري الذي حصل في ١٩٨٠، تم إلغاء جميع الأحزاب. وبحلول عام ١٩٨٣ عادت الحياة الحزبية إلى تركيا وعاد نشاط أردوغان من خلال حزب الرفاه، خاصة في إسطنبول. وفي عام ١٩٨٩ دخل حزب الرفاه الانتخابات البلدية، وبدأ يحقق نتائج جيدة، وقد ترشح أردوغان في بلدية باي أوغلو، لكنه خسر تلك الانتخابات.
وفي عام ١٩٩٨ اتهُم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية وتم ايقافه من منصبه وحكم عليه بالسجن لمدة ١٠ أشهر بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء القائه خطاباً في مدينة (سعرد). ولم تثنِ هذه القضية أردوغان عن الاستمرار في مشواره السياسي بل نبهته إلى كون الاستمرار في هذا الأمر قد يعرضه للحرمان من السير في الطريق السياسي كما حدث لأستاذه نجم الدين أربكان، فاغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء منهم (عبد الله غول) ویؤسس حزب العدالة والتنمية عام ٢٠٠١.
ومنذ البداية أراد أردوغان أن يدفع عن نفسه شبهة استمرار الصلة الحزبية والفكرية مع أربكان وتياره الذي أغضب المؤسسات العلمانية مرات عدّة، فأعلن أن حزب العدالة والتنمية سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في مماحكات مع القوات المسلحة التركية.
وخاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٢ وحصل على ٣٦٣ نائباً مشكلاً بذلك أغلبية ساحقة. ولم يستطع أردوغان من ترأس حكومته بسبب تبعات سجنه وقام بتلك المهمة عبد الله غول. لكنه تمكن في مارس عام ٢٠٠٣، من تولي رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه.
وبعد توليه رئاسة الوزراء تصالح أردوغان مع الأرمن بعد عداءٍ تاريخي، وكذلك فعل مع اليونان، وعزّز علاقات تركيا مع أذربيجان وبقية الجمهوريات السوفيتية السابقة، وفتح الحدود مع عدد من الدول العربية ورفع تأشيرة الدخول، وأعاد لمدن وقرى الأكراد أسماءها الكردية بعدما كان ذلك محظوراً.
وخلال فترات توليه رئاسة الوزراء كان أردوغان يقول إن حزبه “ليس دينياً بل أوروبياً محافظا”، ويؤكد بأنه لا ينوي الدخول في مواجهة مع العلمانيين واستفزازهم.
وفي ٢٣ نوفمبر ٢٠١١ قدّم أردوغان خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية في أنقرة اعتذاراً رسمياً بشأن الأحداث المأساوية التي وقعت بين سنوات (١٩٣٦- ١٩٣٩) في منطقة درسيم، التي ارتكبتها الحكومة التركية آنذاك بحق الأكراد العلويين في نهاية الثلاثينیات من القرن الماضي.
ولم تشهد تركيا طيلة تاريخها السياسي ما شهدته من فوضى وإنعدام في الإستقرار نتيجة سياسات حزب العدالة والتنمية. فأردوغان مثلاً لم يقبل واقع الشراكة الذي أفضت إليه الإنتخابات السابقة والتي منعته نتائجها من تحقيق الغالبية النيابية. ويبدو أن سياسته القادمة ستقوم كذلك على أساس إضعاف الحلفاء ومعاقبة الخصوم في ظل وضع يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر وقد يصل بالبلاد الى حال مزرية إقتصادياً وأمنياً واجتماعياً نتيجة هذه السياسة.
ويخشى المراقبون من أن يؤدي تمسك أردوغان بكرسي الحكم إلى تكريس قيادة الفرد وتعزيز سيطرته على مرافق الدولة، ما يشكل خطراً محدقاً لايمكن التغاضي عنه أو الاستهانة به لأنه يؤدي بالانتقال من الولاء للدولة إلى الولاء للفرد. كما يخشى الكثيرون من كاريزما أردوغان الطاغية، خصوصاً إذا ما أضيف لها الصلاحيات التي يريد استثمارها خلال بقائه في السلطة، والتي قد تقود الى إذكاء حالة الاستقطاب المتأججة في تركيا، حيث يتهمه البعض بالنزعة الشمولية التي يسعى من خلالها الى تعزيز نفوذه بمزيد من السلطة دون قيود، ما يهدد البلاد بتحديات خطيرة، داخلية وخارجية، في حال سارت الأمور على هذا المنوال.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق