التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا؛ الآفاق والتحديات 

منذ سقوط نظام القذافي عام ٢٠١١، تعيش ليبيا أوضاعاً أمنية متدهورة، أفرزت صراع حكومتين على السلطة؛ الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس نواب طبرق، ومقرها مدينة البيضاء (شرق)، وحكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام، ومقرها طرابلس (غرب).
وشكّلت الخلافات الأساسية العالقة بين الحكومتين عائقاً أمام تنفيذ مقترح حكومة الوحدة الوطنية، الذي جرى الاعلان عنه، في ضوء المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، في وقت يتطلع فيه الشعب الليبي إلى حسم هذا الموضوع لإنهاء الأزمات المتعددة والمتراكمة في هذا البلد.
ومن أبرز العوائق أمام تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، الخلافات بخصوص إدارة المؤسسات الأساسية للدولة، وتحقيق وقف اطلاق النار، وتشكيل جيش وطني، وحل الميليشيات. ويعد التنافس على إدارة البنك المركزي، ووزارة النفط من العوائق الرئيسية الأخرى أمام تشكيل هذه الحكومة.
ورغم توقيع (حزب العدالة والبناء) على وثيقة الاتفاق السياسي، إلا أنه أعلن عن وجود تحفظات لديه، على حكومة الوحدة الوطنية. وعزّزت الخلافات في معسكر طرابلس، موقف حكومة طبرق، لا سيما أن مجلسها حظي باعتراف دولي، بأنه السلطة التشريعية الشرعية للبلاد.
وبرز تنظيم “داعش” الإرهابي كلاعب مخرب آخر في المشهد الليبي، حيث ينشط عناصر هذا التنظيم خصوصاً في مدينتي درنة وسرت شمال غربي البلاد، في حين يواصل ما يعرف بـ “مجلس الشورى الثوري” الذي يضم كتائب وميليشيات، وجوده في بنغازي.
وقدّمت الأمم المتحدة اقتراحاً بحكومة تقاسم سلطة يتضمن مجلساً تنفيذياً مؤلفاً من رئيس الوزراء وخمسة نواب لرئيس الوزراء وثلاثة وزراء كبار. ويفترض بهذا المجلس أن يمثل توازن المناطق في ليبيا.
وسيكون مجلس النواب المنتخب في الشرق هو البرلمان الشرعي بينما سيكون هناك مجلس استشاري هو مجلس الدولة وسيكون مؤلفاً في معظمه من أعضاء المؤتمر الوطني العام في طرابلس. ويقول رافضون من الجانبين إن الاتفاق غير مقبول ولم يصوت أي من البرلمانين على اتفاق نهائي.
وتريد الحكومة الموازية في طرابلس ضمانات بألا يكون (اللواء خليفة حفتر) الذي يقود قوات الحكومة المتمركزة في شرق البلاد جزءاً من أي حكومة وحدة وطنية جديدة أو القوات المسلحة. وعيّنت الحكومة المعترف بها دولياً حفتر رئيساً للأركان.
ورغم المساعي الحثيثة التي بذلتها جهات داخلية وخارجية عديدة لوضع حد لهذه الأزمة لم تتمكن الأطراف السياسية المتناحرة من تحقيق هذا الأمر لعدة أسباب بينها سعي كل طرف لتحقيق مصالحه على حساب الطرف الآخر من جهة، إضافة إلى التدخلات الخارجية التي تسعى لتحقيق مصالحها هي الأخرى على حساب الشعب الليبي الذي يتطلع للعيش بأمن واستقرار بعيداً عن النزاعات المسلحة التي أهدرت دماء الكثير من أبنائه واستهلكت طاقاته ووقته دون طائل.
ولم تقتصر الآثار السلبية الناجمة عن عدم الاستقرار الأمني في ليبيا على تدهور الأوضاع في هذا البلد، بل تخطتها لتشمل دولاً أخرى لاسيما المجاورة وبالأخص مصر و تونس بسبب تمدد الجماعات الإرهابية التي استغلت الظروف المضطربة في ليبيا لتقوية نفوذها وتهديد الدول الاخرى. وتنتشر عشرات الجماعات المسلحة في ليبيا، الأمر الذي يجعلها عائقاً كبيراً أمام ممارسة مهام الحكم لأي حكومة مقبلة.
ويعتقد المراقبون أنه من غير الممكن التوصل إلى اتفاق من أجل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا ما لم يتم اتخاذ خطوات عملية تساهم في إنجاح هذا الأمر وفي مقدمتها حل مجلس النواب في (طبرق) والمجلس الوطني الليبي (برلمان طرابلس).
ويرى المتابعون للشأن الليبي ان التدخلات الاجنبية في شؤون هذا البلد من قبل الدول الغربية وبعض الدول الاقليمية لاسيما تركيا وقطر والسعودية والتي تسعى إلى تحقيق مصالحها ساهمت إلى حد كبير في تأخير تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، معربين عن اعتقادهم بأن إعتماد مبدأ توزيع السلطات والمناصب العليا على أساس المحاصصة في أي حكومة قادمة في هذا البلد سيؤدي إلى نتائج وخيمة من شأنها أن تهدد الوحدة الوطنية، وقد تؤدي إلى تقسيم البلد إلى ثلاثة أقاليم (إقليم طرابلس في الغرب وعاصمته طرابلس) و(إقليم برقة في الشرق وعاصمته بنغازي) و(إقليم فزان في الجنوب وعاصمته سبها).
وهناك مخاطر أمنية أخرى باتت تهدد استقرار الأوضاع في ليبيا والتي نجمت عن توسع نفوذ تنظيم (داعش) الإرهابي في المناطق الساحلية وبينها منطقة (خليج سرت) والتي تشكل بدورها تهديداً جديّاً لحركة السفن المتجهة نحو أوروبا ومناطق أخرى في العالم عبر البحر الأبيض المتوسط.
أخيراً يمكن القول ومن خلال قراءة المعطيات الآنفة الذكر والتداعيات السلبية التي نجمت عنها والتي قد تتفاقم من جديد في أي لحظة، أن المستقبل السياسي في ليبيا سوف لن يتغير كثيراً لصالح شعبها على المدى المنظور حتى وإن تمكنت الأطراف السياسية الفاعلة والمتنازعة من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ما لم تتوحد الجهود للقضاء على خطر الجماعات الإرهابية لاسيما تنظيم (داعش) من جهة، وما لم تتفق هذه الأطراف – في حال نجحت بتشكيل الحكومة – على آلية مؤثرة وقادرة على وضع حد للتدخلات الأجنبية في شؤون هذا البلد من جهة أخرى.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق