ماذا ستختار الدول العربية .. التعددية أم الاستئثار بالسلطة؟
بعد ان شهدت الدول العربية ٥ اعوام من الثورات والاضطرايات والاحتجاجات يقف العالم العربي اليوم بين مفترق طريقين يقوده احدهما نحو الديمقراطية والتعددية والآخر يقوده نحو التطرف والعنف.
وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى تونس كنموذج اختار التعددية في حياتها السياسية بعد الثورة وقد منحت جائزة النوبل لهذا العام الى اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس (مجموعة تتشكل من ٤ منظمات لعبت دورا اساسيا في ارساء الديمقراطية التعددية في تونس بعد ثورة عام ٢٠١١ ) وهذا يدل على اهمية السياسات العامة في ارساء الديمقراطية.
إن الشعب التونسي استطاع رغم وجود الخلافات العميقة بين القوى العلمانية والاسلامية أن يتفق على دستور يضمن مكانة كل اطياف المجتمع بعد مرور ٣ سنوات فقط من انتصار الثورة وقد ضمن هذا الدستور التداول السلمي للسلطة واعترف بحقوق المرأة بشكل كامل واحترام حرية التعبير والعقيدة.
لكن تونس تعتبر استثناء في المنطقة فالامر في مصر كان مغايرا لتونس وادت السياسات الاستئثارية للقوى الدينية والقوى الليبرالية العلمانية الى اغراق مصر في ازمة اقتصادية شديدة وجمود سياسي وقد راينا كيف تعاملت الدول العربية في الخليج الفارسي مع الازمة المصرية حيث اعتبرت هذه الدول ان ازمة مصر هي ازمة اقتصادية فقط، اما الاوضاع في العراق وسوريا فهي ايضا معروفة لدى الجميع حيث نرى قيام تنظيم داعش باستهداف التنوع الثقافي والمذهبي في هذين البلدين وايضا باقي البلدان.
ان العالم العربي عالم متعدد الثقافات لكن هذا التنوع لايحترم ولايتم مراعاة التعددية و ليس غريبا باننا نرى ان العالم العربي قد وصل الى حدود الانفجار بعد عقود من عدم الاهتمام بالتنمية الاقتصادية وحكم الانظمة الاستبدادية.
ان التجربة التونسية اثبتت بان النضال في العالم العربي يجب ان لاينحصر في المواجهة مع الحكومات الاستبدادية بل ان الهدف الرئيسي يجب ان يكون اقامة حكومة تعددية، فالاسلاميين والعلمانيين يجب ان يلتزموا بالتعددية التي تعتبر ضرورية للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في الشرق الاوسط.
ويمكن التفاؤل بالديمقراطية في المنطقة عندما يكون النضال في جبهتين وفي آن معا، جبهة لانتزاع حق المشاركة السياسية السلمية في الحكم وجبهة ضد الاستئثار بالسلطة، لكننا نرى ان الدول العربية كلها (باستثناء تونس) لاتسلك هذا النهج والاتجاه ولذلك يجب القول انه من الضروري على الدول العربية التي شهدت تغييرا للحكم والسلطة او التي لم يتغير نظام الحكم فيها حتى الان ان تقوم بتقاسم السلطة مع الآخرين حتى لا تخسرها.
ان الصراعات الطائفية تفتك اليوم بالدول العربية من سوريا الى لبنان والعراق وتمزقها وهي دول تشكلت حدودها حسب اتفاقية سايكس بيكو في عام ١٩١٦ واننا نرى بأن هذه الدول وحتى بعد مرور قرن على قيامها تنتهج العنف في التعامل مع مطالب شعوبها.
يجب على العالم العربي ان يرسم الان طريقا جديدا لنفسه اذا اراد الاستقرار والتنمية ويجب عليه ان يعتبر التنوع الثقافي والقومي والطائفي نقطة قوة لنفسه وليس نقطة ضعف ومن الضروري ان تقوي الدول العربية شعور المواطنة عند مواطنيها وتنتهج التعددية بدلا من التعصبات القومية الضيقة.
وتحتاج المناهج التعليمية في الدول العربية الى مراجعة عميقة فالاحترام للآخر ليس موجودا في هذه المناهج كما يجب على القانون ان يحمي حرية الاختلاف في الآراء، ان احترام حرية التعبير والعقيدة في العقود الاجتماعية الجديدة بين المواطنين والحكومات يضمن الانتقال السلمي للسلطة ويطمئن المواطنين بان الحكومة ستحفظ حقوقهم الاساسية وهذا سيؤدي الى تعزيز قدرات هذه الحكومات التعددية.
ان العالم العربي امامه طريقين الان اولهما التعددية التي جلبت لتونس جائزة النوبل والاستقرار والازدهار الاجتماعي وثانيهما خيار الاستئثار بالسلطة على غرار ما يقوم به داعش الان وهو ما يدمر قيم الشعوب ولذلك يجب على العالم العربية ان يناضل من اجل التعددية.
مركز كارنيغي للدراسات.
المصدر / الوقت