صراع الأولويات بين أمريكا والدول الخليجيةّ
شكّلت التطورات الأخيرة في الازمة السورية أرضية مناسبة لخلاف جديد بين العديد من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية من ناحية، وأمريكا من ناحية آخرى، بإعتبار أن هذا التطورات أفضت إلى تبدل الأولويات، لتظهر معها جذور خلاف جديد عنوانه صراع الأولويات بين الاولوية السعودية أي اليمن، والاولوية الأمريكية أي سوريا.
لطالما كانت الأزمة السورية تتربع على رأس أولويات العديد من الدول العربية بدءاً من السعودية مروراً بالإمارات ووصولاً إلى قطر، وكذلك الغربية سواءً أمريكا أو أوروبا، إلا أنه مع بدء العدوان السعودي على الشعب اليمني بمشاركة الإمارات وقطر بصورة ضعيفة، غدا العدوان على اليمن يستحوذ على حصّة الأسد في الأولويات السعودية والإماراتية، لابل عمدت الرياض إلى نقل عدّة دفعات من إرهابيي سوريا إلى اليمن لمؤازرتها في ضرب الجيش واللجان الشعبية هناك.
حتى ذلك الحين، لم يظهر الخلاف الخليجي-الغربي رغم تبدّل الأولويات، إلا أن إستمرار العدوان على الشعب اليمني وإرتكاب السعودية مجازر مروعة وفق تقاريرالمنظمات الأممية من ناحية، وبروز خطر داعش على أوروبا لاسيّما بعد أزمة المهاجرين من ناحية آخرى، أفضى إلى رؤية دولية موّحدة تهدف إلى تركيز الجهود للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، خاصةً أن أمريكا خشيت أن يفوتها قطار بوتين الذي قرّر القضاء على التنظيم الإرهابي، ولو بمؤازرة الحليف الإيراني فقط. الجهود الدولية لمواجهة الإرهابيين في سوريا، أثّرت بشكل كبير على المشهد اليمني حيث تكاثرت الدعوات الأممية والدولية لوقف العدوان السعودي، الأمر لذي تسبب بخلاف بين الجانبين الغربي والخليجي.
أزمة المهاجرين
لم يقتصر الخلاف الذي نتج عن تطورات المشهد السوري على الجانبين الخليجي والأمريكي، لا بل تسبّبت أزمة المهاجرين في الوقيعة بين واشنطن وأوروبا، بإعتبار أن الأخيرة باتت مجبرة على تحمّل تبعات تواطئها مع أمريكا التي دعمت الجماعات الإرهابية في حين أن واشنطن بقيت بعيدةً عن نار الأزمة السورية من هذه الناحية.
على خط أمريكا أوروبا، لم تقتصر الخلافات على ازمة اللاجئين التي بدأت تضغط على العديد من الدول الأوربية وفق أحدث التوقعات الإقتصادية للبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، الذي أكّد أن “هذا التدفق الكبير يضغط على الخدمات العامة وعلى الميزانيات الحكومية وأسواق العمل”، بل يبدو ان بريطانيا تخلّت عن ضرب داعش جوّاً، لتنضم بذلك إلى الإمارات والسعوية بسبب إنشغالهما بالعدوان على اليمن، والإردن إثر قضية الطيار الكساسبة. فقد ذكرت مصادر في الحكومة البريطانية أن رئيسها ديفيد كاميرون تخلى عن فكرة طرح مشروع أمام مجلس العموم يجيز لقواته توجيه ضربات جوية لمواقع تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وفق صحيفة “تايمز” الامريكية. وتنسجم هذه التسريبات مع تقرير للجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، توصي فيه الحكومة بـ “تجنب توسيع العمليات العسكرية البريطانية لتشمل سوريا ما لم تتم صياغة استراتيجية دولية متكاملة تتمتع بأمل واقعي لدحر داعش الاجرامي ووضع حد للحرب الدائرة في سوريا”.
اذاً، إنسحاب العديد من الدول العربية من التحالف الدولي من ناحية، وإنكفاء بريطانيا، شريك أمريكا الرئيسي، من ناحية آخرى، حوّل هذا التحالف من دولي إلى أمريكي، مما سيؤثر على قواعد الميدان السوري الذي يميل حالياً إلى دفّة أصحاب الأرض وحلفائهم، تماماً كما هو الحال في اليمن.
وأما بالنسبة للأولويات العربية، فرغم الضجيج الإعلامي للسعودية تجاه الأزمة السورية، ومصير الرئيس الأسد تحديداً، لاريب في أن الأهمية الكبرى للرياض حالياً تتعلق بالملف اليمني، إلا أنها ستضيع “فرق عملة” في حين حصل أي توافق روسي أمريكي، كما هو مرتقب. لن يقتصر حينها الخلاف على ترتيب الأولويات السعودية-الأمريكية بين سوريا واليمن، بل ستتسع الفجوة لتشمل الازمة السورية، وبالتحديد شخص الرئيس الأسد. واشنطن سترى نفسها مجبرة على التعامل بدبلوماسية أكبر إزاء مصير الرئيس الأسد، إلا أنه في ظل العقلية السعودية الحالية ستبقى الرياض وحيدة تنادي برحيل الرئيس لأسد رغماً عن الشعب السوري وأغلب دول العالم!
في الخلاصة، لم تقتصر نتائج التدخل الروسي بمؤازرة الحليف الإيراني في سوريا على الواقع الميداني فحسب، بل أفضت إلى إيجاد شرخ في الجبهة المقابلة، تارةً عبر تبدّل الأولويات بين اليمن وسوريا، وآخرى، مرتقبة، في تفاصيل الأزمة السورية، لكن يبقى الشعب السوري الرابح الأكبر في ذلك.
المصدر / الوقت