الأزمة السوریة؛ خياران أمام أردوغان..لا ثالث لهما
عاد الرئيس التركي رجب طيب أرودغان إلى سياسة “الصوت المرتفع” تجاه سوريا بعد فوزه مؤخراً بالإنتخابات البرلمانية في تركيا.
الرئيس التركي الذي صمت طويلاً مابين 7 حزيران، موعد الإنتخابات الأولى، والأول من تشرين الثاني، موعد الإنتخابات الثانية، عاد “لعنجهيته” على الصعيدين الداخلي والخارجي. فبعد مطالبته بإعادة صياغة دستور جديد للبلاد خلال السنوات الأربع المقبلة، وتحويل النظام إلى رئاسي على غرار أمريكا، طالب أردوغان بإنشاء منطقة عازلة في سوريا.
بين سوريا والإتحاد الأوروبي
لم تنحصر مواقف أردوغان الخارجية في المنطقة العازلة، بل يريد الرئيس التركي بعد نتائج الانتخابات الأخيرة التي أتت لصالح حزبه، العدالة والتنمية، أن يستثمر الأزمة السورية على صعيدين، الأول سوري بإمتياز، والآخر يتعلّق بالوضع الإقتصادي التركي والعلاقة مع أوروبا.
سورياً، كشفت صحيفة “يني شفق” التركية، أن أردوغان، يُخطط لإرسال 11 ألف جندي تركي إلى شمال سوريا، لقتال تنظيم “داعش” الإرهابي، ولفرض منطقة عازلة على الحدود بين سوريا وتركيا. كذلك سيستغل أردوغان قمة دول العشرين التي ستعقد في تركيا آخر الأسبوع الجاري، لعرض وثيقةً حول الوضع في سوريا، تشمل الجانب المالي وطلب تمويل تغطية نفقات اللاجئين المتدفقين عليها من قبل الدول الغنية، والحصول على موافقة الدول الحاضرة في القمة، على مخطط عسكري تركي جديد، وفق الصحيفة نفسها التي تعتبر موالية للحكومة.
وأما على الصعيد التركي-الأوروبي، فقد أوضحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الخميس 12 نوفمبر/ تشرين ثاني 2015 أن الاتحاد الأوروبي وتركيا سيعقدان قمة بخصوص أزمة اللاجئين نهاية الشهر الجاري أو بداية ديسمبر/ كانون الأول المقبل لطلب مساعدة الرئيس التركي في وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، موضحةً أنهم ينتظرون رد الجانب التركي بخصوص تاريخ عقد القمة. أردوغان لن يفوّت هذه الفرصة الثمينة لبلاده حيث وجّهت تركيا جملة من المطالب للإتحاد الأوروبي، بدءاً بمطالبته تزويدها بثلاثة مليارات يورو (3,3 مليار دولار) سنوياً والسماح للأتراك بالسفر إلى أوروبا بدون تأشيرات، مروراً بالمطالبة بإنهاء الجمود في المحادثات بشأن انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 بلداً، وصولاً إلى مطالبة بروكسل استئناف دعوة القادة الأتراك إلى القمم التي يعقدها الاتحاد.
فيما يخص الصعيد الأوروبي، تبدو النتائج شبه واضحة، خاصةً أنها تتعلق بجزء كبير منها بالمصالح التركية والوضع الداخلي، إلاّ أن الشق السوري، أي التدخّل العسكري، قد يدخل تركيا في نفق مظلم، فهل سيرسل أردوغان جيشه إلى سوريا؟
الغوص في المجهول
لاشك في أن دخول أردوغان إلى الأراضي السورية، وبصرف النظر عن النتائج، يعني غوص تركيا في المجهول خاصةً أن أي إشتباك تركي، مدعوم أمريكياً، مع موسكو وطهران، يعني اندلاع حرب عالمية ثالثة على الأراضي السورية، إلا أنه من المؤكد أن نيرانها ستشمل العديد من دول المنطقة والعالم.
إن دخول تركيا إلى الأرضي السورية، هي بمثابة رحلة اللاعودة، لكن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه في ظل تقدّم الجيش السوري على الجماعات الإرهابية، لاسيّما في حلب وريفها، هل يضمن الرئيس التركي سكوت إيران وروسيا؟ وهل يضمن الحصول على دعم أمريكي فاعل، خاصةً أن الإستراتيجية الأمريكية “الإرتكاز الأسيوي” تولي حالياً أهمية أكبر لشرق آسيا في ظل إستيقاظ العملاق الصيني؟
أتقن أردوغان حساباته جيداً في الإنتخابات التركية، إلا أنه يسير حالياً بخطى غير مدروسة على الأراضي السورية، بعد إعتباره “فوز الحزب، الحاكم في تركيا، يُعطي الحكومة حرية التصرف واتخاذ القرارات المناسبة لحل الأزمة السورية”، بإعتبار أن أي تدخل بري يشعل حربا عالمية ثالثة، وفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
خياران فقط
يبدو من خلال الإشارات الأردوغانية، التي شاطرتها الرسائل نفسها تحركات المقاتلات الحربية الأمريكية في قاعدة انجرليك التركية الجوية، أن الأزمة السورية على مفترق طريق، فإما وقف الضربات الجوية الروسية لتنظيمات الإرهابية في سوريا، وهو ما تشجّعه واشنطن وفق إستراتيجية “الإرتكاز الآسيوي” التي تريد إغراق المنطقة بالجماعات التكفيرية وبالتالي تخشى القضاء على داعش وأخواتها في سوريا، وإما التدخل التركي، المدعوم أمريكياً، لإقامة منطقة عازلة في حال رفضت روسيا وقف ضرباتها، وهو ما يلوح في الأفق وما تسعى إليه تركيا. أصاب أردوغان عندما قال إن “كل مَن يغذي النار السـورية بالـفتنة فإنه سـيحترق بتلك الـنار”، ولكن “الجار قبل الدار”.
المصدر / الوقت