التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

العراق والتعاون العسكري مع روسيا: محاولةٌ لبناء توازنٍ في السياسة الخارجية إقليمياً ودولياً 

في ظل سعيها لتعزيز حربها على الإرهاب، أعلنت موسكو استعدادها للعمل على تدريب القوات العراقية، ومساعدتها في تطوير قدراتها العسكرية. وهو الأمر الذي جرى بحثه خلال زيارةٍ قام بها وفدٌ من لجنة الأمن والدفاع العراقية الى موسكو. فماذا في زيارة الوفد؟ وما هي دلالات هذا التقدم فيما يخص التعاون العسكري بين روسيا والعراق؟

زيارة الوفد العراقي:
أفادت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي أن روسيا أبدت استعدادها لتدريب وتسليح القوات الأمنية العراقية، وتأكيدها أن سياستها في العراق مبنية على تعزيز وحدة شعبه. جاء ذلك خلال زيارة وفد من لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية الى موسكو والإجتماع مع لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي حيث تم بحث آفاق التعاون العسكري بين العراق وروسيا وتبادل المعلومات الإستخباراتية. وقال هوشيار عبد الله رئيس كتلة التغيير النيابية أن الجانب الروسي أكد على أن الأهداف الإستراتيجية المشتركة بين موسكو وبغداد كثيرة جداً، كما أن سياسة موسكو في العراق مبنية على تعزيز وحدة الشعب العراقي.

دلالات التعاون العسكري:
لا شك أن الدول الكبرى تبحث عن مصالحها لا سيما من خلال تعزيزها لسياستها الخارجية. وهو الأمر الذي ينطبق على روسيا، لا سيما في ظل سعيها لإعادة إعتبارها دولياً، مع الإشارة الى أنها نجحت في ملفاتٍ لم تستطع أن تنجح فيها واشنطن لسنوات. وهنا وبعيداً عن المصلحة الروسية، لا بد من الوقوف عند معاني ودلالات الإنفتاح العراقي على موسكو، لما يشكله من نقطةٍ مهمة، على الصعيد الإقليمي والدولي. وفيما يتعلق بذلك نقول التالي:

– بعد النجاح الذي أثبتته موسكو في حربها على الإرهاب أصبحت روسيا خياراً للتعاون المشترك، للعديد من الدول الساعية للقضاء على الإرهاب بشكلٍ جدي. فالعراق يعتبر نموذجاً للبلد الذي حل به الخراب نتيجة سياسة واشنطن، والتي ما تزال تمارس أبشع سياسات التدخل لا سيما في منع الإنجازات التي يقودها العراقيون ضد تنظيم داعش الإرهابي.
– وهنا فإن التجربة العراقية ومنذ أن إحتلت القوات الأمريكية العراق، حافلة بالممارسات بحق الدولة العراقية، كنظامٍ وجيش وبحق الشعب العراقي. لتكون واشنطن السبب الرئيسي في إنهيار الدولة العراقية ومؤسساتها، وسبباً أيضاً في تمدد الإرهاب بعد تأسيس نواته التي شُكلت من ضباط عملوا لدى النظام البعثي السابق. مما يعني أن العراقيين قيادةً وشعباً، تعلموا من التجربة التي مرت بها بلادهم، مما جعلهم يتعاطون مع أمريكا كطرفٍ لم يعد يحظى بالثقة، وهو ما رسَّخته العديد من الأحداث أخيراً لا سيما دعم واشنطن لتنظيم داعش خلال معارك القوات العراقية ضده.
– ولعل القيادة العراقية اليوم، تبحث عن تحالفاتٍ دولية جديدة، تساعدها في إزالة حالةٍ من الفراغ الذي ساد نتيجة الإنسحاب الأمريكي وتراجع نفوذ واشنطن. فكان توجه العراق نحو إيران سياسياً، كما يأتي اليوم التعاون العراقي الروسي في المجال العسكري لإيجاد نوعٍ من التوازن الإقليمي والدولي.

إذن، لم تعد العلاقات مع أمريكا هدفاً للعديد من الدول. بل لم تعد واشنطن ملاذاً للطامحين نحو بلدٍ آمنٍ ومُستقر. فقد أصبحت السياسة الأمريكية بحد ذاتها سياسةً لا ترتقي لطموحات دول المنطقة. فالنتائج الكارثية التي خلفتها سنوات الصراع المريرة، والتي تُعتبر واشنطن أساسها، ترسخت في وعي دول المنطقة على المستويين السياسي والشعبي، وهو الأمر الذي يقود العديد من هذه الدول للإنفتاح على أقطابٍ أخرى، لا سيما موسكو وطهران.

ولأن العراق مثَّل حيثيةً جيوسياسية في الصراع الدائر في المنطقة، فقد أفضت سياسة واشنطن فيه لنتائج إنعكست على مصير الشعب العراقي، وأدت لإختبار العراقيين معاناةٍ طويلة لم تنته حتى اليوم. لذلك يسعى العراق اليوم وبالتوازي مع حربه ضد الإرهاب، الى نسج علاقاتٍ تجعله قادراً على تحقيق مصلحة بلده بعيداً عن السياسة الأمريكية البراغماتية، مما يساهم في تعزيز استقلاليته العسكرية والأمنية كمقدمةٍ للإستقلالية السياسية. وهو ما دفع القيادة العراقية إلى اللجوء لتطوير التعاون العسكري مع موسكو، لما تمثله موسكو اليوم من حيثيةٍ في المنطقة والعالم.

لن يكون النموذج العراقي الأخير كمثالٍ لبناء توازنٍ في العلاقات الدولية للبلدان في منطقة الشرق الأوسط، بل سيكون مثالاً يُحتذى به. فيما يراود الكثيرين السؤال الذي يتعلق بقدرة روسيا على مواكبة هذا التطور على المدى الإستراتيجي.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق