التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الشرق الأوسط بعد ١١ أيلول الفرنسي: «باقية وتتمدّد» أم «زائلة وتتبدّد»؟ 

شكّل زلزال باريس الأمني، 11 أيلول الفرنسي، عنواناً جديدة للمرحلة المقبلة في منطقة غرب آسيا، إذ أن ما قبل الثالث عشر من تشرين الثاني 2015، ليس كما بعده. فقد شكّلت هذه الهجمات التي بدأت من الضاحية الجنوبية لبيروت ومرّت في حسينية الصدر بالعاصمة العراقية بغداد ووصلت إلى الذروة في العاصمة الفرنسية باريس، شكّلت أرضية مناسبة لمرحلة جديدة من المواجهة مع الجماعات التكفيرية في سوريا.

اليوم، نشاهد حديثاً جديّا، إعلامياً على الأقل، تجاه المواجهة مع تنظيم داعش الإرهابي الذي وجّه لباريس ضربة هي الأقسى في تاريخها الحديث، ومنذ الحرب العالمية الثانية، وهذا أيضاً، ما شاهدناه بعد حادثة شارل أبيدو التي خمدت بسرعة رغم أنها كانت، حينها، فرصة ذهبية لتشكيل تحالف عالمي ضد التنظيم الإرهابي، وتحويل هذا التهديد إلى فرصة.

لا ريب في أن هذه الهجمات سبّبت لشعوبنا وحكوماتنا الألم والحزن، تماماً كما يحصل للشعوب الغربية، لا للعديد من حكوماتها، عندما نتعرّض لأي هجوم إرهابي، فالحداد كما الإرهاب واحدٌ من باريس إلى بيروت ودمشق التي أعلن رئيسها بشار الأسد، أن الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس لا يمكن فصلها عما وقع في بيروت مؤخرا وما يحدث في سوريا منذ خمس سنوات من عمليات ارهابية.

لم تستطع الحكومة الفرنسية أن تتحمّل يوماً واحداً فقط من حالة الطوارئ «الفا» على كامل أراضيها والتي لم تشهد لها فرنسا مثيلا منذ حرب الجزائر في الستينيات حيث توعّد الرئيس الفرنسي بحرب بلا هوادة على الإرهاب، رغم أن “السياسات الخاطئة التي انتهجتها الدول الغربية لاسيما فرنسا إزاء ما يحصل في منطقتنا وتجاهلها لدعم بعض حلفائها للإرهابيين هي التي ساهمت في تمدد الإرهاب”، وفق ما أعلن الرئيس السوري بالأمس خلال استقباله وفدا فرنسيا يضم عددا من البرلمانيين والمثقفين والإعلاميين.

سياسات جديدة
اليوم، تقف منطقتنا على مفترق طريق في ظل وجود تهديد بإستطاعتنا أن نحوّله إلى فرصة ثمينة، تقضي على الإرهاب بسرعة قياسيّة، إلا أن هذا الأمر يتطلّب رؤية جديدة في مكافحة الإرهاب تكون بعيدةً كل البعد عن سابقتها الأمريكية التي لم تزد التنظيمات الإرهابية إلا تطرّفا وقوّة. فلو سارت فرنسا من الناحية الداخلية على خطى أمريكا بعد 11 أيلول 2001، عبر مضايقات وإعتقالات تطال الأبرياء والمذنبين من المسلمين دون أن تعالج الأصل والمنبع في سوريا والعراق، لن تحصد سوى الخيبة ومزيداً من حوادث “11 أيلول” فرنسيّة، وأوروبية وربّما تركيّة.

السياسات الجديدة يجب أن تعتمد على إجراءات فاعلة ضد الإرهابيين لوجيستيا وسياسيا وصولا للقضاء على الإرهاب، وبما أن إعتداءات باريس الإرهابية أثبتت أنه ليس هناك من دولة يمكن أن تبقى في منأى عن الإرهاب، فمن المتوقّع، وفق قاعدة المدينة الفاضلة، أن تشارك كافّة الدول التي وصلت نار الإرهاب إلى ثيابها في هذه السياسات، كيف لا وهي من سهّلت وعبّدت الطريق أمام هذه المجاميع الإرهابية التي كانت حتى الأيام الماضية ورقة قوية في أيدي هذه الدول بوجه الرئيس الأسد. ولكن بما أنهم ليسوا من أبناء المدينة الفاضلة قد نشاهد على الأرض أفعالاً مغايرة للأقوال، وربّما معاكسة تماماً.

واشنطن اليوم تريد أن تمرّر مشاريعها في سوريا، ولن تتوانى عن الإستفادة من حادثة باريس لتجييرها لمصلحتها عبر المطالبة بتعزيز تحالفها الدولي الذي غدا أمريكيا بعد إنسحاب العديد من أعضائه، في مواجهة الدب الروسي، وبالتالي إظهار دورها كفاعل في القضاء على الإرهاب، لا تشكيله، مما يعني حصد نتائج هذا الدور في المرحلة اللاحقة.

لم تعد المرحلة اليوم، تقتضي منا مطالبة فرنسا وحلفائها بوقف أي دعم لتنظيم داعش الإرهابي فقط عبر تجفيف منابعه وإغلاق الحدود ومعاقبة كافّة الدول التي تتخلّف عن ذلك، بل على هذه الدول التي كانت شريكة في صنع الإرهاب، أن تكون أيضاً شريكة في إزالته، ولا ريب في أن السبيل الوحيد لذلك هو التعاون مع الحكومتين السورية والعراقية لضرب الإرهابيين.

نعوّل على النخب والمثقّفين من أعضاء الوفد الفرنسي، ونتمنّى أن تُؤتي زيارتهم للرئيس الأسد أُكُلها إزاء موقف بلادهم، خاصّة أنهم أكدوا حرصهم على نقل ما شاهدوه خلال زيارتهم إلى سوريا بما يسهم في تكوين رأي عام فرنسي قائم على الحقائق وليس على الصور المزيفة التي كانت تنقل عن الأزمة السورية سابقا.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق