من الضاحية إلى باريس، النهج المزدوج وضحايا الإجرام
حملتان تخريبيتان في أقل من يومين طالت بلداً أوروبياً وشرق أوسطي، التحقيقات والجهة المتبنية تشير إلى أن من يقف خلف هذه التفجيرات هي جماعات الغرب الإستعماري التي يشکل داعش أحد أوجهها، وليس الحديث عن وصف التفجيرين والموقف منهما، فكلا التفجيرين وقعا داخل احياء سكنية طال النساء والرجال والأطفال، وأوقع ضحايا وجرحى، لكن الحديث عن موقف الدول منهما لا سيما الموقف الغربي والنهج المزدوج في رؤيته للحادثين، هذه الإزدواجية هي ما عكسته سلسلة المواقف والتصريحات، لتصب كلها في خانة السؤال عن خلفية هذه الإزدواجية والصورة التي هي عليها، بعبارة أخرى كيف ينظر الغرب إلى تفجيري الضاحية وباريس ؟ وكيف تنظر جماعات الغرب الإستعماري إلى كلا التفجيرين؟
ازدواجية المواقف والتصريحات
يوصف الموقف الدولي من تفجير الضاحية كما كل التفجيرات التي سبقتها في العام الفائت على أنه بارد خجول، بل ويعكس الطابع التآمري عليه، فلم تعقد مؤتمرات ولم تجر اتصالات تعزية، بل كل ما شهدناه كان بعض التصريحات الخجولة من هنا وهناك، فعلى سبيل المثال عبر الرئيس الفرنسي هولاند عن صدمته إثر التفجير ووصفه بأنه عمل دنيء، فيما اعتبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي نيد برايس بأن هذا العمل لا يؤدي إلى تعزيز دعمنا لمؤسسات الدولة اللبنانية، فيما عبر الأمين العام للأمم المتحدة عن حزنه الشديد، إلى تصريح مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة عن أن بريطانيا ستعمل مع شركائها في مجلس الأمن على إصدار بيان يدين ما حدث. فلا الحزن الذي أصاب بان كي مون ولا الصدمة التي ألمت بهولاند ستنقذ لبنان، ولا الشعب اللبناني بانتظار أن تدعم أمريكا مؤسساته، ولن ينتظر مساعي بريطانيا لإتخاذ موقف بشأن ذلك، بل إن الشعب اللبناني ذهب لكشف ملابسات التفجير، وإحباط التفجيرات الأخرى التي كانت مقررة، وتفكيك خلايا كانت تعد لذلك، والتحقيقات معهم جارية.
أما المشهد الفرنسي فهو مغاير تماماً للواقع اللبناني من وجهة النظر الغربية، فأوباما سارع وبعد ساعات قليلة على تفجير باريس إلى عقد مؤتمر لإستنكار حادث فرنسا والإعلان عن تعاطفه مع الشعب الفرنسي ووقوفه إلى جانبه، واستعداده لتقديم المساعدة والدعم في ضرب الجهات التي تقف خلف الحادث، يضاف إلى اتصال هاتفي أجراه أوباما مع الرئيس الفرنسي هولاند، إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي الذي استنكر العمل الإجرامي. أما بريطانيا فقد أعلنت استعدادها لتقديم الدعم، وهذا ما جاء على لسان رئيس وزراءه ومن ثم وزير خارجيته، وكذلك الأمر بالنسبة لألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية والغربية. وليس الأمر ببعيد عن موقف الدول من حادثة شارلي ابدو والتي على إثرها نظمت عملاً احتجاجياً في العاصمة باريس شارك فيها أكثر من 40 وزير خارجية ورئيس بلد. مع هذا فالغرب يقر ولا يخفي وقوفه إلى جانب هذه الجماعات في تحركها ضد الدولة السورية، بل ودعمها وعمل على تهئية الأرضية لها،
النهج المزدوج، الرؤية الغربية
قبل الحديث عن الأسباب في الإزدواجية لا بد من الحديث عن الرؤية الغربية لهذه الجماعات التي ترتكب الأعمال الإجرامية. فالغرب ينظر إلى هذه الجماعات على أنها الوسيلة والحل لإستمرارية نفوذه في منطقة الشرق الأوسط، هذا النفوذ اللاي بدأ يشعر بالتذلل مع صعود الحركات الشعبية المقاومة، ولهذا عمل على تهيئة الأرضية والظروف لنشأتها، وزودها بكل المستلزمات الكافية للإنطلاق في تحركها في منطقة الشرق الأوسط، بناءً عليه، فإن الغرب الإستعماري يرى في أي عمل اجرامي تقوم به هذه الجماعات في منطقتنا ومنها لبنان انسجاماً وتناغماً مع الأهداف التي من أجلها صنعت هذه الجماعات، فإن تحدث التفجيرات التي هي ضمن سلسلة محاربة التحركات الشعبية المقاومة، وإضعاف هيكلية الدولة ونشر الفوضى، هو ما تبتغيه دول الغرب الإستعماري، وهنا يأتي تفسير السكوت أو التصريحات الخجولة بل والتصريحات التي يضمر بعضها العداوة لشعوب منطقتنا. أما أن تصيب موجة الكراهية والإجرام التي غزاها الغرب دولة من الدول التي تعمل على دعم الفكر الإجرامي، وتهدد أمن دولة هي شريكة في صناعة هذه الجماعات، فهو ما تستشعره الدول الغربية على أنه خطر يجب التنبه له والعمل على مواجهته. إذن هي جماعات صنعت لتهديد أمن منطقتنا لا تهديد أمنهم.
رؤية جماعات الغرب الإستعماري لكلا التفجيرين
على الرغم من أن جماعات الغرب الإستعماري ما هي إلا أداة غربية أمريكية بالدرجة الأولى، إلا أن هذه الجماعات تدرك جيداً أنها ليست بعيدة عن حسابات المصالح الدولية، وليست معزولة عن أوراق التفاوض الغربي، وهي تحسن قراءة المشهد السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، وتعي ما يحدث من متغيرات على مسارات التعاطي الدولي والإقليمي تجاهه، كذلك مسارات السياسة الدولية وتناقضات القوى الدولية والإقليمية الحالية سواء الداخلية أو الخارجية، وعليه تحاول هذه الجماعات أو الجهات والعناصر المستفيدة من وجوده استثمار هذه التناقضات في استمرار التأكيد على آلية وجوده، بل وأنه في تحرك توسعي، هذا بخصوص استهدافه لباريس، أما استهدافه للضاحية فهو ضمن المسلسل التخريبي الغربي لمنطقتنا ليس إلا.
المصدر / الوقت