الاعلام العربي و الغربي و المفارقات في المقاربة بين تفجيري ضاحيتي بيروت وباريس
شهدت الأيام القليلة الماضية سلسلة من التفجيرات الارهابية الانتحارية التي قام بها تنظيم “داعش” الارهابي في كل من ضاحيتي بيروت وباريس. تفجيرات يندى لها الجبين لوحشيتها ولما أدت اليه من سقوط عشرات الضحايا من المدنيين في كلتا الضاحيتين. تفجيرات أجمع العالم بكامله على ادانتها والتأكيد على طبيعتها الارهابية و اللاانسانية. اما المفارقة المعيبة التي تُلاحظ هي طريقة المقاربة المختلفة للحادثين. هذه المقاربة التي اعتمدها العالم بكامله ايضا بالاضافة الى جل المؤسسات الاعلامية الغربية والعربية على حد سواء. حيث اكتفى العالم بادانة جريمة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي المقابل استنفر العالم كله لاعلان حالة طوارئ عالمية بعد حادثة التفجيرات في الضاحية الباريسية.
طبعا لم يكن من المستغرب ما حصل بعيد تفجيرات ضاحية باريس لناحية الالتفاف الدولي الكبير واعلان حالة الحداد الدولية والاستنفار الكامل والتوعد باقتلاع داعش من جذوره وتشديد الحملة الدولية لمواجهته وما الى ذلك من اجراءات قرر المجتمع الدولي القيام بها. كيف لا؟ والارهاب قد ضرب الداخل الآمن لهذه الدول المتحضرة وقتل فرنسيين!. ولم يعد محصورا في النطاق الذي رسمته له استراتيجيات نفس هذه الدول المتقدمة. حيث لا مانع لدى هذه الدول من أن يقوم هذا التنظيم والتنظيمات الارهابية الاخرى الموجودة على الساحة من ارتكاب أبشع الجرائم واحتلال مناطق واسعة من دول أقل تقدما وتحضرا (حسب معاييرهم) وتشريد وقتل مئات الآلاف من الابرياء، والموقف ازاء كل ذلك فقط وفقط التنديد الفارغ من أي مضمون عملي.
نعم ليس من المستغرب هذا الامر من قبل هذا المجتمع الدولي (الذي يدعي الحضارة) ولكن المستهجن والمؤلم أن بعض الأطراف الاسلامية والعربية وقعت في نفس الفخ. فخ تبرير الارهاب الذي يضرب بلادنا الاسلامية وادانة نفس الارهاب الذي بدأ يمس بالدول الغربية المتقدمة.
هذه الظاهرة تنسحب أيضا على الاعلام الغربي والعربي، حيث طالعتنا وسائل الاعلام المختلفة بمقارباتها المتفاوتة للحادثين. حيث يبرر الاعلام الغربي والعربي بشكل أو آخر التفجيرات التي ضربت ضاحية بيروت على قاعدة أن المقاومة اللبنانية تقاتل في سوريا مما أدى الى قيام داعش بهذه التفجيرات ردا على ذلك. وفي المقابل لا يُشار ابدا الى اي دوافع من الممكن أن تكون مبررا لتنفيذ تفجيرات في دولة كفرنسا. فما هو السبب وراء ذلك؟ هل سقط الاعلام في فخ التنظيمات التكفيرية التي جعلت منه اداة لتسويق فكرها في بلادنا؟ أم أنه سقط عن سابق اصرار وتصميم فشكل لنفسه معايير كثيرة لمقاربة الامور حسب أهواء سلطة المال والسياسة؟ نعم، لم يسقط الاعلام سهوا بل عن سابق اصرار وتصميم. وهذا الأمر يؤكد مقولة أن هذا الاعلام انما يتبع لجهة واحدة ومُخطط واحد يهدف الى تنفيذ أهداف تخدم مصالح الدول الكبرى.
وبالعودة الى الدوافع وراء هذه التفجيرات الارهابية، فمن الواضح والأكيد أن الواقع مغاير تماما لما تتناقله كبرى الوسائل الاعلامية. وما يجب استخلاصه من الحادثين الارهابيين هو التالي: نعم كان من المؤكد أن داعش ونظيراتها من التنظيمات الارهابية يسعون جاهدين لضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة في لبنان والسبب ليس الحرب التي تخوضها المقاومة على التنظيم بل السبب هو الفكر الاجرامي والدموي الذي يميز هذه التنظيمات، وما هذه التفجيرات الا دليل على صواب المقاومة في التواجد على جبهات القتال منعا من وصول التنظيم الى داخل بيئتها وأراضيها.
والمفارقة الاخرى والأكثر أهمية هي أن فرنسا وعلى المستويات كافة قامت بعكس ما تقوم به المقاومة تماما اذ دعمت نفس الارهاب الذي ضربها مؤخرا، من خلال برامج المساعدات للتنظيمات المسلحة الفاعلة على الأراضي السورية ومن خلال اعلان عدائها لسوريا منذ الأيام الأولى للأزمة، مما قوى جزوة هذه التنظيمات في الداخل السوري الى حد أصبح من الصعب كثيرا السيطرة عليها وتوقع الخطوات التي يمكن أن تتخذها.
ختاما، لا يزال الغرب يمعن أكثر فأكثر في سياساته العنصرية وسياسة دعم الارهاب في بلادنا. ظنا منه أنه سيبقى بمنأى عن هذا الارهاب. ولكن الأحداث التي بدأت تتوالى تؤكد بأنه وصل الوقت الذي يتجرع فيه الغرب كأس السم الذي صنعه بنفسه. على أمل أن يستدرك الامر فيعيد حساباته وينحو بالاتجاه الصحيح لجهة تقويد هذه التنظيمات الارهابية وتجفيف منابعها المادية واللوجستية.
المصدر / الوقت