التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

أوروبا بعد الهجمات؛ إرتباكٌ أمنيٌ و إجتماعي، و إستغلالٌ أمريكي 

تعيش الدول الأوروبية حالةً من القلق، يُعتبر جديداً على دول الرفاهية والعيش الهنيئ. فأوروبا كانت ملجأً للباحثين عن الإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي. لكنها اليوم باتت دولةً لا تعرف طعم ما اتصفت به لعقودٍ من الزمن، نتيجة التهديدات الأمنية التي تطالها، والتي أصبحت حقيقةً بعد هجمات باريس الأخيرة. في حين تخطت العملية بآثارها حدود فرنسا، ليصبح الهاجس هاجساً أوروبياً بإمتياز. وبين التخبط الأمني بين الدول الأوروبية، وحالة الضياع السياسية لدى المسؤوليين الأوروبيين، أطرافٌ لا تلبث أن تستخدم لغة التحريض، إما من خلال التحريض للتظاهر ضد الإسلام، أو من خلال التنظير لسياساتٍ لم تُفلح يوماً في محاربة الإرهاب. فكيف يمكن قراءة المستقبل، لا سيما الأوروبي، بعد الهجمات الأخيرة؟

في وقتٍ حمّل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، تنظيم داعش الإرهابي، مسؤولية الوقوف وراء العمليات الإرهابية، انتقد ألان جوبي، رئيس حكومة فرنسا الأسبق والمرشح اليميني الأوفر حظاً في انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة، السياسات التي يتبعها الرئيس فرنسوا هولاند في سوريا، مطالباً بتحديد أهداف الغارات التي تشنها فرنسا على سوريا بشكل واضح وصريح. في وقت كانت قد أثارت هجمات باريس ردود فعلٍ عنصرية لدى بعض الأوروبيين، إذ طالبوا في مدينة ليل الفرنسية بطرد المسلمين من فرنسا، كما قاموا بإحراق مساجد في إسبانيا وهولندا.

ولأن الإستغلال يُعتبر سمة السياسة الأمريكية، سارعت واشنطن لإعلانها تكثيف التنسيق مع فرنسا بشأن ضرورة الرد العسكري في سوريا على هجمات باريس. الى جانب التأسيس لضرورة تبادل المعلومات الاستخباراتية، وفق ما أكده نائب مستشار الأمن القومي الأميركي “بين رودس” الأحد المنصرم . وليس بعيداً عن المصلحة السياسية، لفت رودس إلى أن واشنطن تدعم خيار فرنسا باللجوء الى المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، والتي تنص على أن أي هجوم على عضو في الحلف هو هجوم على جميع أعضائه.

إذن يبدو جلياً أن الواقع الأوروبي بكل تفرعاته، من دولٍ وأطراف وعلى كافة الأصعدة، غير مؤهلٍ لتحمل عواقب الإرهاب. وهنا نقول التالي:

– بدا واضحاً حجم الإرتباك الأمني لا سيما في فرنسا، وما لحقه من تقاذفٍ للتهم، الى جانب محاولةٍ وزير الداخلية الفرنسي برنار كازينوف، التملّص من المسؤولية و رميها على نظيره البلجيكي. وذلك لتبرير عجز الأجهزة الفرنسية، إذ حاول كازينوف توجيه القضية إلى منحى آخر وهو بما أنَّ التخطيط لهجمات باريس حصل في بلجيكا، فمن الطبيعى أن لا تعرف فرنسا شيئاً عنه. وهو ما يًعتبر أمراً مستهجناً من مسؤولٍ أمنيٍ بهذا الحجم. في حين لم يختلف الرئيس هولاند عن ذلك الوزير، حين أشار الى أن عقل الهجمات كان في سوريا أما تنظيمها فتمّ في عاصمة الإتحاد الأوروبي.

– وفيما يدل على حجم الهشاشة السياسة التي تعتري الدول الأوروبية، سارع الجميع لإستنهاض ما يمكن تسميته حالة طوارئ سياسية، لتطويق المخاطر الإرهابية، ولكن بطريقةٍ لا ترتبط بأصل المشكلة. فالمضي قدماً في الرهان على ضرب الإرهاب في سوريا، وهو ما يجب حصوله حتما، لا يعني توقف الهجمات الإرهابية في فرنسا أو أوروبا. لكن السياسة الطاغية على العقل الأوروبي والتي لا يمكن أن تخرج عن الرضا الأمريكي، ما تزال تُخطئ في الرهان. فيما يمكن القول أن أوروبا لن تعترف بخطئها الإستراتيجي في دعمها الإرهاب، يجب التأكيد على أن أولوية مصلحة الشعب الأوروبي لناحية أمنه وإستقراره، يجب أن تطغى على المصالح السياسية التي لم تأت إلا بالمصائب على هذه الدول.

– من جهةٍ أخرى فإن الواقع الإجتماعي الأوروبي أثبت بُعده عن الحقائق. فالخطأ الإعلامي الغربي في تسليط الضوء على المصالح الأوروبية فقط، دون قيامه بنقل الحقائق التي تُثبت بُعد هذا الإرهاب عن الإسلام عبر استهدافه للمسلمين في العالم بأسره، سيزيد من حجم المشاكل الإجتماعية التي ستُقلق الدول الأوروبية أكثر. لذك فإن إزدواجية المعايير التي تتصف بها السياسة الغربية، ستدفع ثمناً باهظاً على الصعيد الإجتماعي الداخلي.

بين إنعدام الرؤية السياسية وهشاشة الأوضاع الإجتماعية الى جانب وضوح الإرتباك الأمني، كثيرةٌ هي التحاليل بشأن المستقبل السياسي الأوروبي. لكن الواضح أن أزماتٍ مُقلقة تنتظر دول الرفاهية. فيما من المؤكد أنها مشاكل، حلولها شبه مستحيلة، في ظل خياراتٍ تُرجح المصالح السياسية على مصلحة الشعوب.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق