التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

آثار إستراتيجية “الإرتكاز الآسيوي” الأمريكية على الشرق الأوسط (الجزء الأول) 

إن القراءة المعمّقة لإستراتيجية “الارتكاز الآسيوي” (Asian Pivot) الأمريكية التي أعلنها الرئيس بارك أوباما في العام 2011، والذي بمقتضاها تصبح منطقة شرق آسيا المنطقة ذات الأولوية الأولى للسياسة الأمريكية عالميًا، مع مراجعة دور واشنطن في منطقة الشرق الأوسط و آسيا الوسطى طيلة الفترة الماضية، و بالتحديد منذ إنهيار الإتحاد السوفييتي، و كذلك الأخذ بعين الإعتبار الأوضاع القائمة في المنطقة منذ بدء ما يمسى بالربيع العربي، كفيلة برسم صورة أوضح عن مستقبل المنطقة، وفق المخططات الأمريكية.

لاشك في أن الإقتصاد أحد أبرز أسباب الحروب الأمريكية و إستراتيجياتها، فإن إختلفت الذرائع يبقى الهدف الإقتصادي هو العامل الرئيسي للحروب الأمريكية، وهذا هو السبب الرئيسي في ضرب الإتحاد السوفياتي، و إحتلال أفغانستان، و إحتلال العراق ومن ثم الإنسحاب منه، والتمديد للحضور الأمريكي مرتين في أفغانستان حتى العام 2017، و الثالثة بالإنتظار، وكذلك أزمات المنطقة بعد ما يسمى بـ”الربيع العربي”، وصولاً إلى إستراتيجية “الإرتكاز الآسيوي”.

إن إستراتيجية “الإرتكاز الآسيوي”، جاءت بالتزامن مع تأمين المصالح النفطية الأمريكية في العام عبر شركات النفط الصخري، التي ساهمت في تبديل الأولويات الأمريكية بين الشرق الأوسط النفطي، و شرق و وسط آسيا الصيني، و لكن كيف يمكننا تفسير ذلك؟

التاريخ الأمريكي في المنطقة
تتعاطى واشنطن مع مصالحها الإقتصادية في العالم تحت عنوان “الأمن القومي”، لذلك لم تتوان عن إنشاء القواعد العسكرية خاصّة في الأماكن الإقتصادية العالمية، وهو الأمر الذي دفع بها للحضور إلى منطقة الشرق الأوسط منذ إكتشاف النفظ حتى يومنا هذا، كما أنه العامل نفسه الذي سيؤدي إلى إنسحاب القوات الأمريكية تدريجيا بإتجاه محاصرة العملاق الصيني، وهنا لا بد من الإشارة إلى التالي:

أولاً: لاريب في أن إنتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وبالتالي خسارة واشنطن لأحد أبرز قواعدها ومصادر نفطها في المنطقة، دفع بالإدارة الأمريكية للعب على وتر الخلافات بين طهران وجيرانها، إلى أن بدأ صدام حسين الحرب على إيران. هنا نجحت أمريكا في تأمين مصالحها النفطية في العديد من الدول الإقليمية، إضافةً تقويض الخصم أي إدخال إيران في حرب إستنزاف طويلة.

ثانياً: ساهمت الإستخبارات الأمريكية، وبالتعاون مع السعودية، في تأمين إستقرار القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط عبر إلهاء المتشدّدين بالهجرة إلى أرض الجهاد ضد الروس في أفغانسان، الأمر الذي أمّن ديمومة إقتصادية أمريكية في نفط المنطقة. هنا لم يختلف المخطط الأمريكي تجاه روسيا عن إيران، إلا أن واشنطن نجحت في كسر الإتحاد السوفياتي، ما لم يحصل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ثالثاً: حرب الخليج الثانية، أو عاصفة الصحراء، لم تكن بعيدة عن الإقتصاد الأمريكي، حيث قامت واشنطن بمهاجمة القوات العراقية في الكويت لسببين رئيسيين، الأول الحصول على النفط الكويتي مقابل دحر قوات صدام، والثاني تأمين مصالحها الإقتصادية في الدول المجاورة، لاسيّما السعودية، حيث برزت حينها مخاوف أمريكية- سعودية من إحتلال صدام للأخيرة.

رابعاً: لم تكن الحرب على أفغانستان لتحصل لولا ثورة الألف مليار دولار الأفغانية في الموارد الطبيعية، فلو نجحت واشنطن في إستثمار هذه الثروات بالحسنى مع طالبان حينها لفعلت، لذلك عمدت واشنطن إلى عزو أفغانستان في العام 2001 تحت ذريعة 11 سبتمبر للقضاء على طالبان، لكنها بقيت حتى يومنا هذا في هذا البلد. الرئيس الامریکی باراک أوباما مدّد تواجد قواته في أفغانستان مرتين، حتى العام2017، ومن المؤكد أن الثالثة ستحصل مع قدوم الرئيس الأمريكي الجديد، وفقاً لإستراتيجية “الإرتكاز الآسيوي”، لا بل هذا ما شاهدنا بوادره في الأسبوع الفائت عندما قال مسؤولون في بروكسل و كابول إن شركاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) يدرسون سبل تعزيز مهمتهم للتدريب و المعاونة في أفغانستان.

خامساً: شنّ الجيش الأمريكي الغزو على العراق عام 2003 تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل، التي لم يتبيّن سلاح واحد منها حتى كتابة هذه السطور، لا بل إعترفت أمريكا أنها كانت مخطئة في التقدير، ولكن ماذا حصل. وصلت واشنطن إلى مبتغاها النفطي، بعد قتل وتشريد ملايين العراقيين حتى إنسحابها من العراق، الإنسحاب الذي جاء وفقاً لصلب إستراتيجية “الإرتكاز الآسيوي”.

اذاً، نلاحظ أن واشنطن عملت على تأمين الإستقرار في أماكن تواجدها الإقتصادية و العسكرية، إلا في حال بروز أي تحدي من الممكن أن يؤثر على المعادلة الأمريكية، فضلاً عن إلهاء “تكفيريي” المنطقة في أماكن لم تتواجد فيها أمريكا، أي مشاركة أغلب التكفيريين العرب في “الجهاد” ضد الروس، والحرب الأهلية الأفغانية حتى العام 2000، مما ساهم في تأمين الإستقرار للقواعد والمصالح الأمريكية. الملاحظة الثانية أن السياسة الأمريكية الخارجية ليست منوطة بشخص الرئيس الذي يتولى سدة الحكم، بغض النظر عن انتمائه الحزبي و التباين بين برامج الحزبين الديمقراطي و الجمهوري.

بعد أن تعرّضنا في الجزء الأول لسرد التاريخ الأمريكي في المنطقة، سنتطرق في الجزء الثاني إلى آثار إستراتيجية “الإرتكاز اآسيوي” على الشرق الأوسط، والتي لا يمكن فصلها عن الإنسحاب الأمريكي من العراق و إخلاء القاعدة في البحرين، وكذلك الأزمة السورية حيث ستسعى واشنطن لإيجاد مصالحة بين كافة الجماعات الإرهابية. سنحاول الإجابة على جملة من الأسئلة أبرزها: ما تعني إستراتيجية “الإرتكاز الآسيوي” بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط؟ وكيف أربك التدخل الروسي-الإيراني هذه الإستراتيجية؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق