داعش و الإطاحة بالأنظمة الأوروبية: فرنسوا هولاند النموذج الأول
جاءت هجمات باريس الدموية الأخيرة، لتُطلق العنان لمحاسبة المسؤولين الأوروبيين عموماً والفرنسيين خصوصاً. فالجريمة التي حصلت، كان وقعها كبيراً على أوروبا، لا سيما على الداخل الفرنسي. لدرجة أن النقاش السياسي أصبح حديث كافة النخب، ليس فقط السياسية بل الإجتماعية. فمن المعروف أن النقاشات السياسية لا تحتل مكاناً كبيراً في الدول الأوروبية، لا سيما على الصعيد الشعبي. لكن اليوم، وبعد ما جرى من هجمات، وفي ظل واقعٍ من التهديدات الجدية، خرجت فرنسا بأسرها، في قراءةٍ تاريخية لما قبل الحدث. وهو الأمر الذي جعل الرئيس الفرنسي هولاند، أمام تحدياتٍ تتجاور التبرير، لتصل الى مستوى المحاسبة. فكيف تحولت الهجمات الإرهابية على فرنسا، الى حملةٍ تُهدد مستقبل الرئيس الفرنسي؟
لا يمكن أن يكون الرئيس الفرنسي في وضعٍ يُحسد عليه، لا سيما قبل عامٍ ونصف من موعد الإنتخابات الرئاسية في 2017. فبعد أيامٍ قليلة من الهجمات التي حصلت، وفي نظرةٍ سريعة للواقع السياسي الفرنسي، يقف هولاند أمام الكثير من التساؤلات التي صدرت وما تزال، عن مسؤوليين سياسيين بارزين لا سيما في المعارضة. كما أن الحديث في الصحافة الفرنسية و وسائل الإعلام، يكفي لإظهار حجم الضغوط الداخلية التي تقع على عاتق رجل الإليزيه. وهنا نُشير للتالي:
– يحاول الرئيس الفرنسي حشد الجميع حوله، من بوابة التكاتف لمكافحة الإرهاب الذي يضرب فرنسا. لكن قاعدة أن العدو الخارجي يجمع الأطراف الداخلية، لا يبدو أنها ستنجح مع الرئيس الفرنسي الذي يُظهر تاريخه السياسي، بأن طموحاته أكبر من قدراته. فما نجح به بعد هجمات شارلي أبيدو، لم يتكرر اليوم. بل إن التفاف الفرنسيين حوله حينها كان ظرفياً، مع وجود العديد من الملاحظات حول ردة الفعل الفرنسية والتي لم تكن ردة فعلٍ مسؤولة حينها. أما اليوم، فإن حجم الأثر الذي أحدثته الهجمات، والصدمة التي حلت بالشارع الفرنسي البعيد عن حالات الرعب والهلع، جعلت الجميع يُعيد النظر في الماضي الذي سبق الحدث، في محاولةٍ لمعرفة المسؤول.
– وهنا أصبح الرئيس الفرنسي اليوم أمام تحدياتٍ لا تطال فقط مستقبله السياسي، بل أضحى أمام تساؤلاتٍ لا تقف عند الحاضر أي ما بعد التفجيرات، بل تعود به الى الماضي الذي سيُبرز أنه يتحمل مسؤوليةً فيما جرى. وليس بعيداً عن التسابق الإنتخابي، خرج زعماء المعارضة، ليجعلوا من الحدث مناسبةً لتوجيه ضربةٍ قاضية للرئيس الفرنسي. ليصبح النقاش السياسي والإعلامي في فرنسا، حول فشل السياسة الخارجية، والتدخل الخاطئ في الملف السوري، والرهان الخاسر على حلفاء لهم علاقة بالإرهابيين كالسعودية.
– وفيما يخص السياسة الخارجية لفرنسا و التدخل الخاطئ في الملف السوري، أرجع رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دوفيلبان، ما يحصل اليوم إلى مسار تاريخي تنامى مع التدخلات الفرنسية في أفغانستان، العراق، ليبيا وسوريا. معتبراً أن هذه التدخلات “سكبت الزيت على النار” بحد تعبيره. مؤكداً على ضرورة أنّ تستعيد فرنسا دوراً متوازناً في سياستها الخارجية، خاصة فيما يخص الشأن السوري، من أجل تكريس ظروف الحل السياسي في سوريا. وهو الأمر الذي أكدته أيضاً رئيسة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبن، والتي تنتمي لليمين المتطرف، معتبرةً أن فرنسا والفرنسيين في خطر، مؤكدةً على أن مسألة تحديد فرنسا لحلفائها، وأعدائها مسألة مُلحة، مضيفة أنّ أعداء فرنسا يتمثلون في الدول التي لها صلات بالإسلاميين.
– من جهةٍ أخرى وفيما قد يكون دليلاً على الفشل الفرنسي الداخلي في التعاطي مع الواقع الفرنسي، طرح رئيس جبهة اليسار جان لوك ميلانشان، مسألة التعاطي مع المسلمين، معتبراً أن أعداء فرنسا يريدون تقسيم الداخل الفرنسي وإقامة شرخ بين المسلمين وبقية المجتمع، مؤكداً أن لا علاقة للإسلام بذلك. وهو ما خرجت صحيفة “ميديابارت” بالحديث عنه، حيث رأت في مقالٍ للكاتب الفرنسي المعروف إيدوي بلينل، أن الفرنسيين لن يتمكنوا من مواجهة هذا الإرهاب ما لم نعرف الإجابات حول الأسباب التي أوجدت هؤلاء الإرهابيين. مشيرةً الى أنه من حقّ الفرنسيين مساءلة الحكومة حول سياساتها الخارجية ونسجها التحالفات مع أنظمة ديكتاتوريّة كالسعودية مثلاً.
إذن يبدو أن الرئيس الفرنسي قد استفاق متأخراً، فيما يخص مسألة السياسة الخارجية لفرنسا لا سيما التعاطي مع الإرهاب والرؤية تجاه الحل في سوريا. فحديثه الأخير حول أن داعش هي العدو وليس الرئيس الأسد، الى جانب ضرورة إشراك إيران في الحل في ملفات الإرهاب والوضع السوري، لن يُقنع الداخل الفرنسي الذي تتعالى الأصوات فيه بين معارضين يستغلون الحدث لحسابات إنتخابية، وبين حالةٍ شعبية يعكسها الإعلام والصحافة الفرنسية، تؤكد أن الفرنسيين سينتقلون من مرحلة التساؤل الى مرحلة المحاسبة. فهل سيكون هولاند أول ضحايا إرهاب داعش الدولي في أوروبا والذي شارك في صنعه؟
المصدر / الوقت