تل أبيب المتهم الأول في هجمات باريس تجعل من نفسها ملاذاً ليهود العالم
على قاعدة العيش على صراعات الآخرين، تمضي حكومة الكيان الإسرائيلي في سياساتها التي تهدف للترويج لأن أرض الإحتلال هي الملاذ الأفضل لليهود في العالم. فالحديث الذي يطرح أن داعش تعتبر المسؤول عن عمليات باريس، كلامٌ يمكن القول أنه وجهة نظرٍ منطقية لا أكثر. لكن الغوص في تحليل التحقيقات الجارية، تؤكد وجود ترابطٍ بين المنفذين وأجهزة إستخباراتٍ محلية ودولية وهو ما لا ينفي مسؤولية جماعاتٍ إرهابية قد تنتمي لداعش، لكنه يؤكد أن المُحركيين لهذه الخلايا هم أجهزة إستخبارات عالمية. وهو الأمر الذي يمكن أن نتركه للأيام للتأكد منه. لكن الربط بين عددٍ من الأحداث، يجعل فرضية إتهام الكيان الإسرائيلي أمراً حتمياً. فكيف يمكن الربط بين الهجمات الأخيرة، ومصلحة تل أبيب التي تعيش أزماتٍ مصيرية لا سيما فيما يخص مسألة تبرير الإستيطان و ترسيخ الوجود الإسرائيلي؟
إن الربط بين الهجمات الأخيرة والتي يبدو أنها مقدمة لهجماتٍ أخرى، يحتاج لقراءةٍ معمقة تتجاوز أحاديث وسائل الإعلام، بل تربط الأحداث المهمة والتي يمكن اختصارها بتدهور العلاقة بين تل أبيب والدول الإوروبية، مما ساهم في تزايد الضغط الأوروبي على الكيان الإسرائيلي. وهنا نُشير للتالي:
– يعاني الكيان الاسرائیلي منذ فترةٍ طويلة بأزمةٍ في علاقاته الدولية، لا سيما مع الإتحاد الأوروبي. وهو الأمر الذي يظهر في العديد من المحطات لا سيما في مناشدة كيان الإحتلال، الإتحاد الأوروبي بإعادة النظر في عقوبات يعتزم فرضها على منظماتها داخل الأراضي المحتلة لا سيما لجهة وسم البضائع أو منح الاتحاد الأوروبي للكيان الإسرائيلي امتيازات و قروض. وهو ما أحدث شرخاً في العلاقات بين تل أبيب والدول الأوروبية.
– من جهةٍ أخرى فإن الضغوطات الأوروبية والتي أخذت وتيرةً متزايدة في السنوات الأخيرة، أدت الى تهميش دور تل أبيب في السياسة الدولية، الى جانب إظهارها في خانة المخالف لحقوق الإنسان لا سيما من خلال الحديث عن مشاريع الإستيطان المتزايدة وضرورة حل الدولتين. وهنا نُشير الى أن ذلك لم يكن هدفاً للدول الأوروبية التي لم تخرج في سياستها يوماً عن الرضا الأمريكي الذي يجعل من أمن الكيان الإسرائيلي أولوية. لكن عالمية القضية الفلسطينية وتزايد وتيرة الأعمال العدوانية للإحتلال الإسرائيلي أخذ حيزاً مهماً من الإهتمام في الشارع الأوروبي لا سيما المنظمات المدنية الأوروبية، والتي ظهرت مؤخراً، والتي تناهض سياسيات الإحتلال وتدعو لعزله.
– وهنا ولأن أوروبا كانت أضعف من مجابهة الرأي العام الذي أصبح يُدرك الحقائق، زادت علاقة تل أبيب بالإتحاد الأوروبي سوءاً. فالدول التي خرجت منها نواة الصهيونية العالمية لم تعد مؤثرة. بل أضحت تتماشى مع سياساتٍ لا تصب في مصلحة تل أبيب كما تراها. وهو ما تميزت فرنسا به، لا حباً بالفلسطينيين بل سعياً لبناء دورٍ في المنطقة. لذلك عادت فرنسا لتظهر بمظهر الأم الحنونة لدول الشرق الأوسط، وجعلت نفسها سباقة في الموضوع الفلسطيني، لتحاول قبل أيام تبني مشروعٍ لصالح الفلسطينيين.
– عوامل أخرى عديدة جعلت من فرنسا بوابة الإستهداف كمقدمةٍ لمعاقبة أوروبا. فالحديث الدائر داخل الكيان الإسرائيلي حول المشاكل الدولية في تبرير ملفات الإستيطان، يحتاج بحسب المحللين الصهاينة لمُبررٍ، ليس لأن تل أبيب من عاداتها التبرير، بل لأن صورتها في العالم أصبحت عكس ما تريد. ولعل السبب الأبرز الذي قد يجعل من بناء المستوطنات مشروعاً مبرراً للإحتلال، هو جعل أرض الكيان ملاذاً ليهود العالم. وهو ما لا يمكن أن يحصل إلا بتهديد الإستقرار الأمني في الدول التي ينتشر فيها اليهود لا سيما في أوروبا. وهنا وبحسب موقع يدعوت أحرنوت، وبناءاً لتقرير تم نشره في شهر حزيران هذا العام، فإن أوروبا تحتل المركز الثالث في العالم في استقطاب الجاليات اليهودية بعد أراضي الإحتلال والأراضي الأمريكية. لكن الأهم هو أن فرنسا تحظى بالمركز الأول في أوروبا، إذ يعيش فيها ما يقارب 475 ألف يهودي.
إذن تشكل فرنسا خياراً يمكن من خلاله تحقيق أكثر من هدف. فبعد أن استهدفت هجمات شارلي أبيدو يهوداً فرنسيين، هرع نتنياهو إلى باريس للتضامن مع الشعب الفرنسي، لكنه وجد نفسه منبوذاً. وليس العقل الصهيوني مسامحاً لمن يُهينه. كما أن نتنياهو هرع بعد التفجيرات الأخيرة، لإستغلال الحدث، والتبرير لسياسات كيانه، وطلب المؤازرة لسلطات الإحتلال في محاربة الإرهاب بحسب المنظور الإسرائيلي. محاولاً إقناع العالم بالرواية الإسرائيلية الرسمية المعهودة والتي تنص على أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ليس سبب مشاكل المنطقة والعالم، وإنما التطرف الإسلامي، ليتوافق في رأيه مع رئيس الموساد.
وللذين يصرون على أن داعش هي المسؤول، فعليهم مراجعة ما نشره موقع “Veternas Today” الأمريكي والذي أكد أن أبو بكر البغدادي ما هو إلا يهودي إسمه “إليوت شيمون” ولد لأبوين يهوديين و إلتقطه الموساد و دربه وزرعه في العراق ليؤسس تنظيم داعش. لنقول أن تبرأة داعش ليست واردة، بل إن الأفضل معرفة أن الكيان الإسرائيلي هو خلف كل هذه الأحداث. فداعش هي صنيعة الإرهاب الصهيوني. في وقتٍ يحاول فيه العقل الصهيوني أن يُرسِّخ لواقعٍ، يجعل أرض الإحتلال ملاذاً لجميع اليهود في العالم. فيُبرر مشاريعه الإستيطانية، ويؤسس لواقعٍ جيوسياسيٍ يضرب الوجود الفلسطيني. فهل ستنجح تل أبيب في مشروعها الذي يأخذ طابعاً دولياً هذه المرة؟ أم أننا على أبواب صراعٍ دولي طويل الأمد؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق