مستقبل الحشد الشعبي في العراق.. بين الفرص والتحديات
يعتبر الحشد الشعبي أحد أكثر التنظيمات العسكرية العراقية فتوّةً حيث تأسس بناءاً على فتوى المرجعية الدينية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وقد أثبت خلال فترة وجيزة قدرته على قيادة العراق من وسط التحديات والمخاطر إلى شطئان النصر والأمان.
عند الحديث عن هذه القوات العسكرية الضخمة التي تشكّلت بعد سقوط الموصل وضمّت في مجموعاتها مختلف الأطياف العراقية، شيعية وسنيّة ومسيحية، مع العلم أن الأعم الأغلب هم من الشيعة كواقع العراق الديموغرافي، لا يمكننا تجاهل الدور الرئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية في تشكيل وتنظيم ودعم هذا الشباب العراقي المقاوم.
لم يكن متوقّعاً لهذا التنظيم الفتي أن يسطر النجاحات التي حقّقها ضمن هذه الفترة الزمنية، فعند مشاهدة الجبهتين السورية والعراقية، تتّضح أهمية وفاعلية هذه القوات التي إستفادت من خبرات العديد من الفصائل والقيادات التي خاضت مئات العمليات ضد الإحتلال الأمريكي حتى أجبرته على الإنسحاب.
إنتصارات الحشد الشعبي توزّعت على مختلف المناطق العراقية بدءاً من جرف النصر(الصخر)، آمرلي، الضلوعية وبلد، مروراً بالدور، العلم، وتكريت، وصولاً إلى الأنبار حالياً حيث تلعب هذه القوات دوراً رئيسياً في مواجهة الجماعات الإرهابية. إلا أن هذه الإنتصارات لا تعني رضا كافّة الأطراف العراقية عن الحشد، خاصةً أن التركيبة الطائفية والعرقية للعراق ستؤثر على تشكيل قوات عسكرية بهذه الضخامة والتسليح رغم أنها الضامن العسكري والأمني لبلد عانى الويلات منذ الإحتلال عام ٢٠٠٣.
إن الحديث عن مستقبل الحشد الشعبي يتطلّب قراءة معمّقة للمشهدين العراقي والإقليمي، فرغم وجود العديد من الفرص أمام هذه القوات التي حفظت العراق منذ سيناريو الموصل، إلا أن هناك العديد من الصعوبات والتحديات التي تواجه قوات الحشد وتتربّص بها من کل حدب وصوب. فما هي الفرص المتاحة أمام قوات الحشد الشعبي، وما هي أبرز تحدياته؟
الفرص
تعتبر القدرة العسكرية النوعية، إضافةً إلى خبرات القتال التي إكتسبتها فصائل الحشد الشعبي من أبرز الفرص التي تحتّم على العراقيين إقتناصها. فاليوم، يظهر جلياً تفوّق قوات الحشد الشعبي على كافّة القوات العراقية المسلحة التي فتّتها الإحتلال الأمريكي، وزاد هجوم تنظيم داعش الإرهابي طينتها بلّةً.
إن العراق الذي عُرف بأرضيته الخصبة للجماعات الإرهابية منذ أكثر من عقد من الزمن، سيبقى كذلك في العديد من مناطقه، لأسباب تتعلّق بالمساحة الجغرافية وطبيعة الأرض من ناحية، والمخططات الخارجية سواءً لواشنطن والغرب أو لدوله المجاورة من ناحية أخرى، لذلك فإن أفضل السبل لمواجهة الفلتان الأمني هو الحفاظ على هذه القدرة التي تشكّل قوات تدخل سريع وفاعل.
كذلك، تعتبر مقبولية الحشد الشعبي بين أبناء الشعب العراقي في ظل تمثيل العديد من فصائله في البرلمان والحكومة من أبرز الفرص التي يجب العمل على تعزيزها، لأنها تعدّ بالفعل معادلة ذهبية للشعب العراقي.
التحديات
مقابل هذه الفرص، هناك جملة من التحديات والموانع تقف أمام مستقبل هذا الحشد في المرحلة التي تلي تنظيم داعش الإرهابي. فهناك العديد من العابثين بأمن العراق، والذين ينفّذون أجندات خارجية، سيلجؤن للمطالبة بتشكيل “حشد سني” مقابل “الحشد الشيعي”، وربّما “حشد كردي” أمام الحشد العربي، ما سيدفع بالحكومة العراقية للضغط بإتجاه جمع كافّة القوات العسكرية تحت راية الجيش العراقي.
كذلك يشكّل العامل الإقتصادي لدعم وتسليح هذه القوات تحدياً كبيراً للعراق الذي يعاني من أوضاع إقتصاديّة صعبة، فضلاً عن أن تركيبة الحشد الشعبي تتعارض وتركيبة المؤسسات العسكرية الرسميّة. وعدم وجود قانون واضح لهذه القوات قد يؤثر سلباً على مستقبلها، كما أن وجود فصائل متعدّدة، تختلف فيما بينها من الناحية السياسية والخبرات العسكرية ستؤثر سلباً في المرحلة اللاحقة.
عند مقاربة هذه الفرص والتحديات مع الأخذ بعين الإعتبار الواقعين العراقي والإقليمي، يبدو أن مستقبل قوات الحشد الشعبي، ورغم أهميتها الكبرى للشعب العراقي، سيغدو مجهول المصير في مرحلة ما بعد تنظيم داعش الإرهابي. وإن دمج جزء من أصحاب الخبرات، لاسيّما الذين خاضوا مواجهات مع الإحتلال الأمريكي، في القوات العراقية الرسمية من أبرز الحلول المرتقبة، إلا أن الجزء الكبير من هذه القوات العسكرية سيبقى مجهول المسار والمصير.
المصدر / الوقت