التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

إقليم كردستان: أزمة العراق في مرحلة ما بعد “داعش” 

أحيا دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى العراق، وإحتلاله مدينة الموصل، الحلم الكردي بالإستقلال عن بغداد من جديد، فالأحداث ما بعد الموصل قد غيّرت وجه البلاد، بالتزامن مع التغيير الحاصل في الخريطة الجيوسياسية لمنطقة تواجدهم.
التغيير الذي بدأ فعلياً مع إندلاع ما يسمى بـ”الربيع العرابي”، دفع بالأكراد للتأسيس لحقبة جديدة من علاقاتهم مع بغداد، إلا أن قيادة الإقليم التي كانت مشغولة قبل ٩ حزيران/يونيو بالخلافات المتفاقمة مع بغداد وبمعركة الاستقلال، باتت اليوم أمام واقع جديد، فقد نجح تنظيم داعش الإرهابي في قلب الطاولة على الجميع عندما بدأت دفاعات البيشمركة تتهاوى في وسنجار وزمار وغيرها، إلا أن وقع الصاعقة على الإقليم تمثّل بتقدّم جحافل داعش بإتجاه أربيل.

تطلعات الأكراد
لم ينتظر الأكراد طويلاً لتحقيق تطلعاتهم حيث عمدوا إلى إتخاذ مسارين رئيسيين في آن واحد: بناء مستقبل خاص بهم، والمشاركة في مستقبل مختلف للعراق. لذلك، وعندما سيطر داعش الإرهابي على مدينة الموصل، سارعت قوات البيشمركة الكردية إلى بسط سيطرتها على مدينة كركوك والمناطق المحيطة بها ولاسيما الحقول النفطية المحيطة بها، وأعلنت قيادة الإقليم انه تم تطبيق المادة ١٤٠ الخاصة بمستقبل كركوك، وسارعت إلى ربط أنابيب نفط كركوك بخط أنبوب النفط في الإقليم.
بعد سيطرة البيشمركة على الموصل، إنقلب المشهد العراقي إزاء تطبيق المادة ١٤٠ من الدستور العراقي الصادر في عام ٢٠٠٥، والتي تقضي بإجراء استفتاء لتحديد مصير المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وسلطات إقليم كردستان، ومن بينها كركوك، قبل نهاية عام ٢٠٠٧. فبعد أن كانت الحكومة العراقية تتعذر، رغم مطالبات البارزاني، بإجراء الإستفتاء بسبب الأوضاع الأمنية التي تشهدها تلك المناطق، لم يجر الإقليم استفتاء على تقرير المصير الأمر الذي يعتبره البعض مخاض ولادة الدولة الكردية، بل أكّد البارزاني على أنه “لن تكون هناك حاجة إلى الدخول في مناقشات جديدة مع حكومة بغداد حول تنفيذ المادة ١٤٠، بعدما أُنجزت على الواقع ” ودخول قوات “البيشمركة” إلى هذه المناطق لحمايتها.
إن ظهور تنظيم داعش الإرهابي حقّق للأكراد جملة من الكاسب، التي سترسم مستقبلهم في المرحلة اللاحقة، وتدفعهم للتمسك بمطالبهم أكثر فأكثر، أبرزها:
أولاً: أدّت التهديدات الداعشية إلى نشوء حالة من التضامن القومي الكردي الذي لم يتوفّر بنيانه بهذا الزخم منذ الحرب العالمية الثانية، كما شكّلت قناعة لدى أغلب الأكراد على ضرورة إستقرار الأقليم بأسرع وقت ممكن.
ثانياً: تعزيز القدرات العسكرية للإقليم الذي حصل على أسلحة متطورة رغم المشكلات التي حصلت مع بغداد في قضية تسليح البيشمركة، مما يعني تعزيز موقف الإقليم في مواجهة بغداد في المرحلة اللاحقة.
ثالثاً: نجح الإقليم في كسب المزيد من التعاطف الدولي، بإعتبار يحارب الإرهاب في هذه المنطقة نيابة عن العالم، ويحمي الأقليات الدينية والعرقية. بعبارة آخرى، إن ما جرى جعل من الإقليم قوة إقليمية في الحسابات الإقليمية والدولية، ولاعباً أساسياً، في مجمل تطورات المنطقة.
رابعاً: من الطبيعي أن يقول الإقليم بعد اليوم انه هو من حرر المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي له الحق في السيطرة عليها. إن الحرب مع داعش حددت الخريطة الجغرافية لإقليم كردستان، وفق خبير في الشؤون الكردية.
في ظل هذه المكاسب، تبقى الأسئلة مطروحة بالنسبة للأكراد وحكومة العراق المستقبلية حول كيفية التعامل فيما بينهم بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، في ظل وجود جملة من الملفات العالقة.

العلاقة مع بغداد
قد لا نشهد تغيّراً جذرياً في العلاقة بين بغداد وأربيل ريثما يتّضح مستقبل العراق، إلا أن التطورات التي حصلت أوجدت قناعة لدى قيادة الإقليم أن لم يعد بالإمكان العودة إلى مرحلة ما قبل أحداث الموصل وسيطرة البيشمركة على كركوك. ولكن هذا لا يعني الإستقلال لأنه في حال إعلان استقلال الدولة الكردية ستفتح باب الخلاف على مصراعيه مع بغداد، وتسلبها جملة من المكاسب قد تحصل عليها فيما لو إنتظرت حتى يتجلّى المشهد العراقي جيّداً.
هناك إحساس مسبق و دون انتظار نتائج الاستفتاء الخاص بشأن كركوك التي تشكل قيمة نفطية كبيرة، بأن مصير كركوك وباقي الأراضي المتنازع عليها حسم لصالح الإقليم، إلا أن حسم مصير هذه المناطق من خلال تنفيذ المادة ١٤٠ يمثّل أهمية كبيرة للإقليم نظراً لأنه يحقق له الاعتراف القانوني والدستوري لجهة تابعية كركوك له.
أربيل ليست في عجلة من أمرها إعتبارها تستفيد حالياً من نفط كركوك، إلا أنه من المرجح أن تؤجل إستقلالها ريثما يتم الإنتهاء من تنظيم داعش الإرهابي، حينها ستفرض على حكومة بغداد إجراء الإستفتاء بشكل قانوني، وبالتالي الإنتقال إلى المرحلة الأخيرة من إعلان “دولة كردستان” المستقلّة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق