التقارب الأردني – الروسي، والاستثمار مؤقت في الحقل السوري
يعج المشهد الأردني بالعروضات والإغراءات التي يتلقاها من قطبين جمعتهما الأزمة السورية على مضض بتحالف شكلي ومؤقت فرضته الظروف السياسية والأمنية والاستراتيجية والحديث هنا بالتحديد عن أمريكا وروسيا. فمنذ يومين أعلنت السفارة الامريكية عن تسليم ثلاث طائرات بلاك هوك لعمان، ورست بعد يوم واحد فقط البارجة البحرية الأمريكية “آرلنغتون” في ميناء العقبة في رحلة هي الأولى من نوعها، وفق بيان صادر عن السفارة الأمريكية حدد هدفها بالدفاع عن أمن الأردن دون أي جدول زمني لفترة بقائها ومغادرتها. أما روسيا فتحاول اشراك الأردن كحليف أكثر فعالية واعطائه دورا بعيدا عن المساعدات والهبات على الطريقة الأمريكية، كمثال على ذلك اعطائه دور المنسق الدولي لجهود اصدار قوائم الجماعات الارهابية في سوريا.
سعى الأردن لاستغلال الموقف الدولي فشهدت الأيام القليلة الماضية انقلابا في المواقف الأردنية، وبعد صمت رسمي عن التعليق على الحملة الجوية الروسية، ها هي اليوم ترحب بها وتعتبر مشاركة روسيا كلاعب أساسي في الحرب السورية قد تمثل فرصة استثنائية. كما يتحضر الملك عبدالله الثاني منتصف الاسبوع المقبل لإجراء مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية حول “الحرب على الارهاب”، حسبما افاد بيان صادر عن الديوان الملكي الاردني. فهل يستعد الأردن للاستدارة نحو المعسكر الروسي، أم أن سلوكياته الجديدة أتت تماشيا مع المتغيرات الاقليمية-الدولية بضوء أخضر أمريكي؟
لعب الأردن بعد اندلاع الحرب في سوريا دورا أساسيا في تأجيج الصراع، عبر ادخال المسلحين وحماية القيادات وتأهيلها وتسليحها وتدريبها في معسكرات على الحدود السورية-الأردنية ومناطق أخرى كمدينة الزرقاء (التي يتحدر منها أبو مصعب الزرقاوي)، وکان بارزا دعم المخابرات الأردنية لجبهة النصرة خصوصا ومن يتبعها في درعا وريف دمشق، وليس غريبا كون معظم قيادات الجبهة هم من الأردنيين من الدكتور سامي العريدي الى أبو عكرمة والداعية إياد القنيبي، الدكتور أحرم حجازي وأبو خديجة الأردني المسؤول الشرعي في الغوطة الشرقية وغيرهم مع الذكر بأن الكثير من هؤلاء القادة كانوا سابقا ضباطا في المخابرات الأردنية، وتختلف الآراء حول الدور “الرسمي” الأردني بأنه هل اقتصر على غض النظر عن وجودها؟ أو أنها أقيمت أساساً بـ”إشراف رسمي غير مباشر عبر عناصر وضباط”؟
بعد دخول روسيا على خط الأزمة السورية عبر حملتها الجوية ضد التنظيمات الإرهابية المختلفة، تريثت الحكومة الأردنية في التعليق على العملية في حين كانت الحكومة الأمريكية تحاول وضع العصي في دواليب الطائرات الروسية واتهامها بضرب “المعارضة المعتدلة”، فغابت التصريحات المؤيدة أو الشاجبة، على عكس الرأي المصري الذي سارع إلى مباركة الحملة الروسية ودعمه لتلك الخطوة. واستمر الصمت الأردني الى ما بعد الأحداث الدامية في فرنسا حيث توحدت وجهات النظر العالمية حول ضرورة محاربة الارهاب وتنظيم داعش على وجه الخصوص، فخرج عندها الموقف الأردني مباركا وشهدت الاتصالات الروسية الأردنية نشاطا ملحوظا توِّج بالاعلان عن لقاء بين بوتين والملك عبدالله سيعقد بعد أيام للتباحث في الملف السوري، الأمر الذي شبهه مراقبون بمحاولة أردنية لاثارة غيرة واشنطن التي طالما اعتبرت أن القرار الأردني في جيبتها.
إلا أنه في حقيقة الأمر فإن الأردن ليس بوارد الخروج من الكنف الأمريكي إنما باتت الحكومة تستشعر الخطر الذي قد يزيده عدم التخطيط مع اللاعب الأساسي في المشهد السوري الحالي (روسيا)، فوجود أكثر من 1،4 مليون لاجئ على الأراضي الأردنية وأكثر من 3000 أردني يقاتلون الى جانب التنظيمات الارهابية، يستدعي تنسيقا عاليا في المرحلة المقبلة من حيث عودة اللاجئين خوفا من التوطين وتبعاته، وضمان عدم عودة المسلحين الأردنيين الذين اكتسبوا خبرات قتالية وباتوا أكثر عنفا وتشددا.
يسعى الأردن للعب دور أكبر من الدور الذي أولته إياه الحكومة الأمريكية في الملف السوري، لذا شدته العروضات الروسية من حيث الطلب رسميا بدخول الأردن كحليف في مواجهة الارهاب، وتوكيله بملف إعداد لائحة المجموعات الارهابية الذي يعمل عليه الأردن بسرية تامة، إلا أن كل ذلك لا يعني تغير قبلة العاهل الأردني نحو روسيا، فلا شيء يغري العاهل الأردني أكثر من المساعدات الأمريكية الدورية من تسليح ومشاريع تنموية ودعم للخزينة التي تعاني من الشح، ثم أن الأزمة السورية ستنتهي وبعد نهايتها سيخف الاهتمام الروسي بالأردن، وهذا ما لن يحصل مع أمريكا التي ترى في استقراره ضرورة للحفاظ على مصالحها وفي مقدمتها أمن الکيان الاسرائيلي.
المصدر / الوقت