التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

التصريحات الأمريكية وسياسة “خلط الأوراق” 

لطالما حاولت واشنطن إمتصاص الأزمات التي قد تتحوّل إلى تهديد او تؤثر على مصالحها مستفيدةً من آلة إعلامية ضخمة و”قدرة ناعمة” نافذة في المنطقة والعالم. “خلط الأوراق” سياسة أمريكية متبعة منذ القدم حيث تقوم الإدارة الأمريكية بالترويج لما تريده، بصرف النظر عن مدى واقعيته، عبر قنوات متعدّدة أبرزها: تصريحات الإدارة الأمريكية نفسها الصادرة عن البيت الأبيض أو وزارة الخارجية، وسائل الإعلام الأمريكية أو الممولة أمريكياً كوكالة أنباء رويترز أو معهد واشنطن أو واشنطن بوست..، أو حتى عبر حلفائها الذين يشاطرونها المصلحة نفسها، وكذلك لا يمكن التغافل عن الدور الرئيسي للإستخبارات الأمريكية في هذا السياق.

آخر فصول سياسة “خلص الأوراق” أمريكياً، تمثّلت في ما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي عن إطمئنانه بدخول روسيا و إيران في تسوية حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد. تصريح كيربي تزامن مع نشر وكالة رويترز للأنباء وعدد من وسائل الإعلام الحليفة لواشنطن تقارير عن وجود خلاف روسي إيراني في سوريا.

ويتماهى تصريح كيربي من حيث المضمون مع تلك التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية بغية تقويض دور روسيا وإيران في سوريا، حيث تسعى واشنطن لإيجاد خلافات جديدة بين التحالف الثلاثي، السوري الإيراني والروسي، وبالتالي الحد من قدرة تأثيره على المعادلة الجديدة مع تنظيم داعش الإرهابي. كذلك، يأتي تصريح الإدارة الأمريكية بعد أسبوع على تفجيرات باريس الإرهابية لحرف أنظار الرأي العالمي عن قضية الإرهاب والضغط على إيران وروسيا لإزاحة الرئيس الأسد.

اذاً، تسعى كافّة هذه التصريحات للحد من قدرات التحالف الثلاثي في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وأما بالنسبة للرئيس الأسد، فلا يحق لأي كان، الحلفاء قبل الأعداء، المطالبة بتنحّيه لأنه منتخب من قبل الشعب السوري، لا بل لا يحق لشخص الرئيس الأسد أن يتنحّى في هذه الظروف الصعبة، فلو أراد ذلك لا بد من إعادة الأمن والإستقرار إلى سوريا ومن ثم التنحّي، خاصةً أن القانون السوري الجديد لا يتيح الترشّح لدورة ثانية. إن مطالبة أي شخص بتنحي الرئيس الأسد تمثّل إهانة كبرى للشعب السوري الذي تكفل له كافّة القوانين والأسس الأخلاقية حريّته في إنتخاب رئيس للبلاد، لا فرضه من الخارج كما تريد واشنطن وحلفاؤها.

فصل جديد
فصل آخر من فصول “خلط الأوراق”، هو ما حصل في الأمس داخل أروقة الأمم المتحدة عندما صدر بيان يجيز اتخاذ كل الإجراءات اللازمة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، إلا أن القرار المذكور لم يعط تفويضاً بالتحرك العسكري أو اللجوء إلى الفصل السابع. القرار الأممي، الذي نجح في إمتصاص الغضب الفرنسي، أبقى الباب موارباً أمام مكافحة الإرهاب كلّ وفق رؤيته ومصالحه، مما يعني أنه قرار فاشل لأن المواقف الدولية لا زالت على حالها.

وقد أصاب المندوب الروسي عندما رأى أن “قرار مجلس الأمن لا يتضمن سوى دعوة سياسية لا تغير المبادئ القانونية”، لأنه لم يضع خطة عمل فضلاً عن عدم صدوره تحت الفصل السابع، مما يتيح للعديد من الدول الإستفادة من تنظيم داعش الإرهابي لتحقيق مصالحها الإقليمية والدولية.

إن كافّة هذه الأحداث تأتي وفق الإستراتيجية الأمريكية التي تتعثر بين الفينة والأخرى، ولكن هذا الغضب الأممي على تنظيم داعش الإرهابي الذي سيكرّر هجماته على أوروبا سيجبر واشنطن على الدخول في مواجهة التنظيم فعلياً، لأنها تدرك جيّداً أن القطار الروسي قد بدأ رحلته. واشنطن ستحاول وضع العصي في عجلات القطار الروسي-الإيراني، لأن القضاء على هذا التنظيم الإرهابي سيسقط مشروعها في المنطقة، وسيعيده إلى حالة الأمن والإستقرار التي لا تريدها واشنطن.

المعطيات تشير إلى أن الإدارة الأمريكية ستحاول القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في العراق، ليس في الوقت الحالي بالضرورة، ريثما يكتمل المشهد الكردي، وبالتالي طرد مقاتلي التنظيم الإرهابي نحو سوريا من ناحية، وتذكية الصراع بين بغداد وأربيل، لاسيّما في المناطق المتنازع عليها، من ناحية أخرى. وأما في المشهد السوري، فلا نستبعد تصدّر المنطقة العازلة عناوين المرحلة المقبلة بغية الحد من الضربات الجويّة الروسيّة، إلا أن زيارتي الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى واشنطن يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وإلى موسكو في 26 من الشهر نفسه، قد تغيّر الكثير في المعادلة السورية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق