الحضور التكفيري في اليمن.. عراق آخر
يمر اليمن بمرحلة مفصلية سترسم مستقبله في السنوات القادمة، لا بل ستؤثر على مستقبل المنطقة أيضاً، وعليه فإن العدوان السعودي سيحدّد جزءاً رئيسياً من المرحلة المقبلة، لأن أي نجاح سيبقي اليمن حديقة خلفية، ولكن أي فشل يعني ما يعنيه للرياض وحلفائها. إلا أن مستقبل اليمن لن ينحصر بالفريق المنتصر، بل هناك لاعب قوي سيبقى على الساحة اليمنية، بصرف النظر عن الفريق المنتصر، يتمثّل في الجماعات التكفيرية.
ورغم أن العنوان الرئيسي للأزمة اليمنية اليوم، يتمثّل بالعدوان السعودي إلا انه لا يجب التغافل عما يحصل في العديد من المحافظات اليمنية فيما يخص سطوع نجم الجماعات التكفيرية، وبالتالي يمكننا القول إن سيطرة الجماعات التكفيرية على المناطق اليمنية لا تقل خطورة عن العدوان السعودي.
الجماعات الإرهابية
لطالما أعتبر تنظيم القاعدة في اليمن المسمّى بـ”أنصار الشريعة” أخطر فروع تنظيم القاعدة في العالم، وقد نجح حالياً في السيطرة على العديد من المحافظات اليمنية معلناً تأسيس ولايات في عدّة محافظات (حضرموت، شبوه، عدن..). ولم تغب بصمات هذا التنظيم الإرهابي عن اليمن، سواءً قبل العدوان أو بعده، فقد قام بأعمال ذبح وحرق وقتل وحشية غير مبررة ضد افراد الامن اليمني والجنود والمدنيين الشماليين، كما أنه قام بجملة من التفجيرات التي قتلت المئات من الأبرياء من جملتها التفجيرات الانتحارية في مسجدي بدر والحشوش في صنعاء التي نتج عنها 142 قتيلًا و 351 جريحًا.
لا يقتصر وجود التنظيمات الإرهابية في اليمن على القاعدة، بل سطع مؤخراً نجم تنظيم داعش الإرهابي في أكثر من محافظة يمنية، وقد “بات موجودا في ثلاث محافظات بجنوب ووسط اليمن، وقد بدأت المنافسة تشتد بينه وبين الفرع المحلي لتنظيم القاعدة، المعروف باسم “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، وفق مسؤول يمني في تصريح لوكالة CNN.
حضور تنظيم داعش الإرهابي في اليمن يعني نيّته إفتتاح فرع جديد له في اليمن، على غرار ما حصل في الرقّة والموصل، وهذا يعني إرتكابه أبشع المجازر بحق الشعب اليمني من ناحية، ودخوله في صراع دموي مع تنظيم القاعدة الإرهابي من ناحية أخرى. ولم يكن زحف القاعدة وداعش الإرهابيين نحو اليمن صدفةً، بل لأن عمليات الجماعات المسلحة في المنطقة تدل على وجود فرص كبيرة للتجنيد.
عراق آخر
إن أسوأ ما ينتظر الشعب اليمني في حال نجحت التنظيمات التكفيرية في بسط سيطرتها على المحافظات أو المناطق اليمنية هو ما يحصل في العراق منذ العام 2003، حيث تجاوز عدد الضحايا الـ180 ألف قضى أغلبهم في هجمات إرهابية (لم يتمّ إحتساب الضحايا الذين قضوا على يد تنظيم داعش الإرهابي منذ العام 2014).
ما يزيد طينة اليمن بلّة هو وقوف بعض القبائل إلى جانب هذه الجماعات التكفيرية، مما يعني أن أي حرب مقبلة على الإرهاب في اليمن ستتّخذ مسارين، الاول تكفيري والثاني قبلي، وكلاهما يعني تدمير اليمن وتفتيته.
إن النتائج الكارثية لحضور الجماعات التكفيرية ستكون أقوى من نظيرتها في العراق وسوريا، نظراً لوجود جملة من العوامل أبرزها:
أولاً: إن المجتمع اليمني قبلي بأغلبيته، وفي ظل تحالف بعض القبائل مع الجماعات الإرهابية (مذحج على سبيل المثال ثالث أكبر قبائل اليمن تحالفت مع القاعدة)، فهذا يعني نشوب حرب أهلية في اليمن لأن الحرب ستتحول من حرب مع الجماعات التكفيرية إلى حرب بين القبائل اليمنية، وكلنا قرأنا في التاريخ ماذا تعني الحرب بين القبائل!
ثانياً: إن طبيعة اليمن تختلف عن سوريا والعراق حيث أن مشروع التقسيم معد سلفاً. بعبارة أخرى، إن هذه الجماعات التي تتركّز في غالبيتها في الجنوب اليمني ستؤدي إلى إنقسام اليمن إلى شطرين شمالي وجنوبي متناحرين فيما بينهم من ناحية، وكل شطر يتناحر في داخله من ناحية أخرى.
ثالثاً: أثبتت التجربة السابقة، ولأسباب لسنا في وارد ذكرها، أن بعض مناطق اليمن تعتبر بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية، لا بل بيئة مناسبة لتربية ونمو هذه الجماعات.
ولكن خطر هذه الجماعات لن يقتصر على اليمن، لأن ناره ستصل إلى السعودية وبقيّة دول مجلس التعاون، لذلك يتوجّب على السعودية إنهاء عدوانها، وعلى الأفرقاء اليمنيين الوصول إلى حل سياسي، ومن ثم الإنتقال إلى مرحلة مواجهة وإستئصال هذه السرطانات من جسد الشعب اليمني.
المصدر / الوقت