بريطانيا تراوغ في محاربة الإرهاب على الرغم من أن الخطر يُحدق بها
تخشى بريطانيا أن تتعرض لهجمات ارهابية على غرار تلك التي شهدتها باريس، وهو ما جعلها تتخذ اجراءات أمنية مشددة عقب تلك الإعتداءات، لا سيما أنها نشرت قوات خاصة لدعم قوات الشرطة البريطانية في إطار إجراءات تعزيز الأمن. لكن يبدو أن بريطانيا وعلى الرغم من أنها أدركت كما الغرب الخطر الإرهابي عليها، ما تزال تتعاطى بغموضٍ تجاه ملف مكافحة الإرهاب لا سيما تجاه داعش. فيما يتساءل العديد من المراقبين عن أسباب ذلك في ظل تهديدٍ حقيقيٍ للإرهاب. وهو ما يظهر من خلال الإختلافات داخل بريطانيا لا سيما داخل حزب العمال. فماذا في هذا الإختلاف؟
دعا وزير الخزانة البريطاني، جون ماكدونيل إلى الحرص الشديد في التعامل مع قضية قصف تنظيم داعش الإرهابي في سوريا. وقال ماكدونيل لبرنامج “آندرو مار شو” على شبكة “بي بي سي” هذه ليست حربا مثل الحرب العالمية الثانية، حيث تحارب ضد عدو على أرض واحدة، تهزمهم ويوقعون معاهدة سلام وينتهي الأمر، وأعتقد أن تنظيم داعش يشجع في الأساس، تورط بريطانيا وواشنطن في حرب في الشرق الأوسط مرة أخرى لأنها تسير وفق روايتهم حول وجود غزو صليبي على حد قوله، مضيفاً بأنه “يجب أن نكون أذكياء في التعامل مع ذلك. يجب هزيمة داعش على الأرض من قبل القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط ومن الشعوب نفسها”.
يأتي ذلك بعد أن حذر زعيم حزب العمال البريطاني، جريمي كوربين، من ارتكاب نفس الأخطاء عند الرد على الأعمال الإرهابية، مؤكدا في الوقت ذاته على أن حزب العمال سيدعم كل إجراء ضروري لحماية المواطنين في بريطانيا .وقال كوربين إنه ورغم ذلك، يجب تجنب الإنجرار إلى ردود فعل تثير دائرة من العنف، مضيفاً “إن الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس تؤكد الحاجة إلى الوصول إلى تسوية تفاوضية للحرب الأهلية هناك، والقضاء على تهديد تنظيم داعش”.
من جهةٍ أخرى أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، يوم الاثنين، أن بلاده تنوي استثمار ما يقارب 18 مليار دولار أخرى، خلال السنوات العشر المقبلة في العتاد الدفاعي، بما في ذلك تسع طائرات “بوينغ” مضادة للغواصات. ويقدم كاميرون للبرلمان خطة دفاعية وأمنية مدتها خمس سنوات، وتركز على ضمان قدرة بريطانيا على التعامل مع تهديدات متعددة منها صعود تنظيم داعش والأزمة في أوكرانيا والهجمات الإلكترونية.
وعلى الرغم من أن كاميرون يحاول أخذ خطواتٍ فيما يخص مكافحة الإرهاب، فإن ذلك يأتي ضمن إطارٍ يمكن تحليله بالتالي:
– يسعى البعض في بريطانيا ولا سيما رئيس الوزراء الى القيام بخطوات للظهور أمام شعبه فقط، بمظهر الشخص المسؤول. وهو ما يحتاج لخطواتٍ تتعدى رفع ميزانية الدفاع، لأخذ خطواتٍ في السياسة الدولية لا سيما تجاه السياسة المتعلقة بالشرق الأوسط.
– وهنا لا بد من الإشارة الى أن الإختلاف الواضح في الداخل البريطاني، يعكس من جهة الوعي الداخلي المُناهض لسياسة بريطانيا الخارجية. كما يؤكد من جهةٍ أخرى، وجود أصواتٍ لا تتفق مع السياسة البريطانية التي ما تزال تبحر في الرهان على واشنطن.
– لذلك فإن مواجهة الخطر الإرهابي لا سيما داخلياً، لا يمكن أن ينفصل عن السعي الجدي الخارجي للدول. وهو ما يجب على بريطانيا أن تنتهجه، لا سيما في سياستها تجاه الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً.
تسير بريطانيا على النهج الفرنسي القديم. لكن الأصوات الداخلية التي بدأت تتعالى صادحةً بالخطر الإرهابي، أصبحت أقوى، لا سيما بعد الهجمات الأخيرة في باريس. فيما يتساءل الكثيرون عن السبب الذي يدفع بريطانيا للمضي قدماً في سياسة الغموض تجاه الإرهاب. فهل تظن لندن أنها بوقوفها على مسافةٍ واحدة من الجميع بما فيه الإرهاب، ستصبح بعيدةً عن الخطر المُحدق بها؟ وهو الأمر الذي يستهجنه العديد من المراقبين، لا سيما في ظل التهديد الحقيقي لداعش. ومن جهةٍ أخرى، تعكس السياسة البريطانية حالة الضعف والعجز الأوروبي، أمام محاربة الإرهاب من جهة، وتحديد المصالح القومية للدول. فلا شك أن سقوط الرهانات الذي يعاني منه الغرب اليوم، دفع الجميع لإعادة النظر. لكن مراوغة البعض لا سيما بريطانيا، ما تزال تطرح العديد من التساؤلات. فيما سيدفع الداخل البريطاني ثمن هذه السياسات والمراهنات الخاطئة.
المصدر / الوقت