أوباما يقرر ارسال قوات برية الى سوريا.. الأهداف والخلفيات!
منذ بداية الأزمة السورية والى اليوم كان التدخل الامريكي في الأزمة سلبيا بالكامل. حيث غطت الأخيرة عمليات دعم المجموعات المسلحة التي تقاتل في الداخل السوري من قبل أطراف اقليمية ودولية مختلفة منها. بداية كان التبرير هو دعم المجموعات المعارضة المعتدلة سعيا الى اسقاط النظام السوري. ومؤخرا أصبح المبرر هو دعم المجموعات المسلحة التي تقاتل تنظيم داعش الارهابي. طبعا لم تكتف أمريكا بذلك بل تدخلت مباشرة في الأزمة من خلال برامج تدريب لمجموعات موالية لها ومؤخرا من خلال غارات التحالف الدولي ضد “داعش”. غارات استهدفت بمعظمها أهدافا وبنى تحتية سورية لا تمت بصلة الى التنظيم الارهابي.
أما المستجد اليوم فهو ما كشف عنه “برت مكغورك” المبعوث الأمريكي الخاص الى الائتلاف الدولي ضد “داعش” في لقاء مع شبكة “سي بي اس” أن ما وعد به أوباما بارسال قوات خاصة الى سوريا سيتحقق قريبا جدا حيث ستدخل قوات خاصة الى الشمال السوري لمساعدة وتنظيم القوات المحلية التي تقاتل “داعش”.
هذه الخطوة التي يسعى من خلالها الأمريكيون الى ايجاد اطار جديد لتشكيل عسكري موالٍ لهم تأتي بعد أن سحب الروس بساط الجدية من تحت أقدام التحالف الدولي عبر الغارات الجوية على مواقع التنظيمات الارهابية والتي حققت خلال شهر ما لم يتمكن التحالف من تحقيقه خلال سنة كاملة. هذه الخطوة الأمريكية الجديدة ومن دون التنسيق مع النظام الشرعي في سوريا انما تهدف الى تشكيل مجموعات ارهابية مسلحة تحت السيطرة الكاملة لأمريكا والهدف تعميق الأزمة السورية وتأزيم الأوضاع أكثر مما هي عليه.
والمريب أكثر في هذه الخطوة ما تحدثت عنه تقارير غربية عن سعي أوروبي أمريكي بعد الأحداث الدامية التي ضربت باريس، الى الضغط على الشباب السوري اللاجئ في أوروبا للانخراط في هذه المجموعات. على اعتبار أن في رقابهم دين لأوروبا التي استقبلتهم واحتضنتهم.
اضافة الى كل ذلك يأتي الحديث عن المصالح المشتركة التي تجمع الدول الكبرى والتي كثر الحديث عنها بعد أحداث باريس الشهر الماضي على قاعدة أن المجتمع الدولي بحاجة الى تحرك واسع وقوي لتأمين هذه المصالح المزعومة والتي بحقيقتها ليست سوى مبرر للتدخل مجددا في الداخل السوري دون الأخذ بعين الاعتبار حق الشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه.
هذا في وقت أصبح من الواضح والأكيد أن الطريق الوحيد لاحلال السلام في سوريا وانهاء الأزمة وهزيمة داعش لا تكون سوى بالتعاون مع النظام السوري الشرعي وتجفيف منابع الدعم للتنظيمات كافة بما في ذلك “داعش”. الا ان الغرب الذي ينظر من منظار المصالح الخاصة وتحقيق المكاسب لن يكون عاملا مساعدا في هزيمة التنظيم بل سوف يعقد الأوضاع أكثر تحت ذرائع مختلفة منها تحقيق المصالح المشتركة لدول التحالف ضد “داعش”.
حرب بالوكالة ضد روسيا؟
أما بالنسبة الى الأوساط الروسية فقد اعتبرت الأمر خطيرا ويشكل تهديدا لسلامة قواتها في سوريا. وتخوفت من أن يكون الهدف الأمريكي هو ايجاد قوات موالية لها لمواجهة القوات الروسية وافشال أهدافها. فتخوض هذه المجموعات حربا بالوكالة عن أمريكا ضد الروس في سوريا.
دعم الجماعات الكردية المصنفة ارهابية؟
التخوف الآخر الذي يقلق الكثير من الأطراف هو الدعم الذي يمكن أن تقدمه المجموعات الخاصة الأمريكية للأطراف الكردية التي تصنفها أمريكا بحد ذاتها بالارهابية. خاصة أن مناطق واسعة من الشمال السوري تقع تحت سيطرة هذه المجموعات الكردية. وقد أشار “روبرت فورد” السفير الامريكي السابق في سوريا في موقف له الى هذا الموضوع وحذر من توطيد العلاقة بالمليشيات الكردية. وهذا التخوف انما يؤكد الهدف الأمريكي وهو تقسيم سوريا عبر دعم الأطراف المتقاتلة ومنهم الأكراد الذين يحلمون بكيان لهم في كل من سوريا والعراق وتركيا.
ولقراءة أبعاد هذه الخطوة وللتأكيد على عدم نجاعتها في محاربة داعش نستعرض ما قاله بعض المسؤولين الأمريكيين أنفسهم. فعلى سبيل المثال صرح رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الجمهوري ماك ثورنبيري قائلا: “إن هذه الخطوة متأخرة جدا وليست إستراتيجية للنجاح، إنها مجرد محاولة من أوباما لتفادي كارثة في وقت يسعى فيه لكسب الوقت”. وأضاف: “لا بد أن نكون حريصين جدًّا في التعامل مع تلك الجماعات.. ولا يجب أن تنجر أمريكا عن طريق الخطأ للمشاركة في الحرب الدائرة بين الأسد ومن يحاولون إسقاطه”.
كما انتقد برلمانيون أمريكيون القرار الأمريكي مُعتبرين إياه “غير كافٍ للقضاء على تنظيم داعش” إذ قال الجمهوري “بول ريان” الرئيس الجديد لمجلس النواب الأمريكي: “هذا الالتزام بخصوص القوات الأمريكية يجب أن يأتي بإستراتيجية متماسكة لهزيمة “داعش” وإلا فسنرى على الأرجح نفس النتائج السابقة” في اشارة الى الاخفاقات التي حصلت اثر تقديم الدعم لمجموعات تبين أنها غير معتدلة.
وفي سياق متصل قال السيناتور الجمهوري جون ماكين رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ: “إن قرار إدارة أوباما إرسال قوات خاصة إلى سوريا لا يكفي لإضعاف وتدمير تنظيم “داعش”، إن هذه السياسة التدريجية غير كافية بشكل مؤسف لحجم التحدي الذي نواجهه”.
كل ما ورد يؤكد أن الاستراتيجية الأمريكية منذ بداية الأزمة الى اليوم لم تتغير بالمضمون رغم اختلاف الشكل الظاهري لها. حيث تسعى أمريكا الى تفتيت سوريا وتقسيمها عبر استراتيجيات مختلفة تتغير حسب تغير الظروف الميدانية.
المصدر / الوقت