إسقاط الطائرة الروسية.. بين التبرير التركي والتداعيات المحتملة
لا تزال تفاعلات إسقاط طائرة السوخوي الروسية من قبل تركيا تثير الكثير من التساؤلات حول أسباب هذا الإجراء الذي وصفه الكثير من المراقبين بالاستفزازي من جهة، وتداعياته على أمن وإستقرار المنطقة والعالم على المديين القريب والبعيد من جهة أخرى، خصوصاً بعد رفض موسكو القاطع لتبريرات أنقرة بأن الطائرة إخترقت الأجواء التركية ولهذا تم إسقاطها.
للإجابة عن هذه التساؤلات لابد من الإشارة إلى الحقائق التالية:
١ – على فرض أن الطائرة الروسية إخترقت الأجواء التركية وهو أمر ترفضه القوانين الدولية، فهل يعطي ذلك مبرراً كافياً لأنقرة بإسقاطها وعدم الأخذ بنظر الاعتبار أنها تابعة لدولة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وذات قدرة هائلة على الرد.
٢ – في عام ٢٠١٢ أسقطت دمشق إحدى الطائرات المقاتلة التركية بعد إختراقها للأجواء السورية، وفي حينها وجّه رئيس الوزراء التركي، رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان انتقادات شديدة للحكومة السورية، وردّت أنقرة على هذا الإجراء بإسقاط مقاتلة سوريّة بنفس المبرر.
٣ – إذا كان إختراق الأجواء التركية مرفوض من قبل أنقرة فلماذا تخترق هي أجواء الآخرين؟ ولماذا تعالج الأمر بطريقة تعطي لروسيا أو أي دولة أخرى حق الرد بالمثل في حال حصول خرق تركي لأجوائها؟!
٤ – يعتقد معظم المراقبين أن تركيا لم تكن لتتجرأ على إسقاط الطائرة الروسية لولا حصولها على ضوء أخضر من قبل الناتو بإعتبارها عضواً في الحلف وبالتالي فإن على موسكو أن تأخذ بنظر الإعتبار رد فعل الدول الغربية في حال ردّت هي على الإجراء التركي.
٥ – إسقاط الطائرة الروسية كشف حقيقة الدعم الذي تقدمه أنقرة للجماعات الإرهابية بإعتبار أن روسيا دخلت على خط الأزمة السورية لضرب هذه الجماعات ولم تكن تستهدف تركيا لا من قريب ولا من بعيد. أي بمعنى آخر إذا كانت الأخيرة صادقة في مزاعمها بمحاربة الجماعات الإرهابية، فلماذا تمانع إذن استخدام أجوائها لضرب هذه الجماعات؟!.
٦ – إذا إفترضنا جدلاً أن روسيا لن تثأر لنفسها بالرد على إسقاط طائرتها من قبل تركيا، فهل ستواصل أنقرة سياستها الرامية إلى إسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد الحليف الإستراتيجي لموسكو، أم ستغيّرها لتثبت للعالم أن هدفها الأول هو محاربة الإرهاب -إن كانت صادقة- وليس إسقاط الأسد.
٧ – هل تضمن تركيا أن طائراتها لن تخترق أجواء أي دولة أخرى في المستقبل، أم إنها ستعترض وترد في حال إسقاطها كما حصل مع سوريا عام ٢٠١٢.
٨ – يرى الكثير من المراقبين في إسقاط الطائرة الروسية بأنه يحمل رسالة من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا بأن على موسكو أن تكف عن دعمها لسوريا في محاربة الإرهاب إرضاءً للكيان الاسرائيلي والسعودية وقطر، وأن تكف أيضاً عن المضي في تحالفها الإستراتيجي مع إيران والذي تعزز بشكل ملحوظ خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران للمشاركة في إجتماعات الدول المصدرة للغاز ولقائه بقائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي والتي أسست لفصل جديد من العلاقات بين البلدين بكل المقاييس.
٩- لا يعقل أبداً أن تغيّر روسيا إستراتيجيتها الإقليمية والدولية بشقيها السياسي والعسكري لمجرد إسقاط إحدى طائراتها من قبل تركيا التي سارع كبار مسؤوليها لإسترضاء موسكو التي يعتقد معظم المراقبين بأنها سترد بقوة للثأر لهيبتها التي إهتزت جراء إسقاط الطائرة.
١٠ – يرجح معظم المتابعين لتطورات الأوضاع في المنطقة أن الناتو لن يجازف بالتدخل عسكريا لصالح أنقرة في أزمتها الجديدة مع موسكو، لأنه يدرك جيداً أن هذه المجازفة ستكلفه ثمناً باهظاً، وهو ما لايمكن أن يخطر في بال الدول الغربية التي بنت وجودها على أساس المصالح وليس من أجل سواد عيون أحد وهذا الأمر معلوم للقاصي والداني.
من خلال هذه المعطيات يمكن الجزم بأن إسقاط الطائرة الروسية سيترك آثاراً وخيمة على الأمن والاستقرار في عموم الشرق الأوسط الملتهب أصلاً لأسباب معروفة، وقد تمتد هذه الآثار إلى مناطق أخرى في العالم، خصوصاً في حال تدخلت الدول الغربية إلى جانب تركيا لإضعاف الموقف الروسي، وهو ما يعني بداية لمواجهة خطيرة بين التحالفين (الروسي الإيراني السوري) من جهة و(الأمريكي الغربي التركي السعودي) من جهة أخرى، وهو ما لا يمكن التكهن بنتائجه لما يمتلكه التحالفان من قدرات تسليحية هائلة، وهو أمر لا يبدو مستبعداً بسبب تفاقم أزمات المنطقة وتشابك ملفاتها نتيجة الخلافات الجوهرية وتقاطع الأهداف الاستراتيجية بين التحالفين خصوصاً بعد أن حقق التحالف الأول إنتصارات عسكرية وسياسية متلاحقة في محاربته للجماعات الإرهابية المدعومة من قبل التحالف الثاني رغم إدعائه بأنه يحارب الإرهاب أيضاً بطريقته التي أكدت التجارب أنها ليست سوى وسيلة لتحقيق غايات ومآرب سياسية وعسكرية وإقتصادية لا علاقة لها أصلاً بهذا الموضوع.
المصدر / الوقت